حول الحصة الثقافية فصول: مدى ملائمة الكتاب المدرسي
* محمد بوكحيل
لماذا نخطئ كثيرا في ترتيب الأفكار قبل اتخاذ القرار،نخطئ كثير في ترتيب عناصر ذلك القرار وتحديد الأهداف بدقة، ونحن نعلم أن الخطوة الخاطئة تقود حتما إلى النتيجة العكسية للأهداف المرجوة، وتدفع الفاعل إلى مواقف توشحه خجلا وندما،لما هذا الخدش في الذاكرة، لما لا نسير بخطى ثابتة ؟. تلكم تساؤلات راودت مخيلتي وأنا أتابع الحصة الثقافية"فصول على شاشة التلفيزيون الجزائري"قيأول أسبوع سنة2008 ،لقاء جمع مختصين أو مهتمين،بالإصلاح التربوي، من أجل مناقشة مدى ملاءمة الكتاب المدرسي، تساؤلات كثيرة قد تطول لأن هناك ما هو جدير بالمعرفة، ليس من أجل حال شخصية الجزائري؟أهو ناتج عن الأوضاع المعاشة أم إن الطبيعة بفصولها هي المؤثر؟، نخطئ ثم نبحث عن التبريرات، وكان علينا فقط التريث قبل الإقدام على المعرفة،
لكي نشكل مدخلا لتحرك سليم وبلورة سياسية تعطي الكثير من القدرات وتمكن من تحقيق نتائج مرضية وانجازات فعلية ،وتوفر الكثير أيضاً من المال والوقت والجهد.نستطيع –بسهولة-أن نحول ما ورد في تلك الحصة إلى أرقام مذهلة ليتبين الجيل الجديد من الجزائريين الذي لم يعاصر تلك المرحلة السوداء، الحقبة الاستعمارية،كيف كان حال الجزائر والجزائريين،كيف كان حظ التعليم مقتصرا على مجموعة محدودة من الفرنسيين و لقيط أوربي وقليل من الجزائريين الخاضعين لإرادة العدو الفرنسي وتحت حمايته ، ولكننا نريد أن نبقى في حدود التعليق على الحصة التربوية لنلفت الانتباه إلى بعض المغالطات التي وردت في النقاش، والتي لم تنصف المراحل السابقة ولم تستوعب نقائص مرحلة الإصلاحات الجارية ،
يمكن تبيان ذلك بإيجاز: لما سئل السيد مزاري أول المتدخلين عن الفرق بين طريقة "المقاربة بالكفاءات " وما سبقها أجاب دون تردد :"مالك وزينة- ثم مصطفى وليلى "قبل أن يطلب منه تحديد الفترات ،بعد الإجابة باختصار(1962-1972)و(1972-إلى عهد الإصلاحات الحالية)،مستطردا:مصطفى وليلى ، كلمتان لاستظهر علامات الرفع أو النصب على أخرهما ألف استفهام يطرح حول الإجابة، واختصر علمَ اللغة في الإعراب, ولا نكون مبالغين إذا قلنا أن البعض لا يكاد يخطر بباله حين تُذكر اللغةُ العربيةُ، بما تتضمنه من مستوياتٍ صوتية وصرفية ونحوية ودلالية وبلاغية و جمالية..،غير "الإعراب". والصحيح أن الإعراب ليس إلا فرعا من النَّحْو الذي يشمل أيضا ما يسمى بنظام الجملة والتركيب.
وإذا أدركنا أن الوظيفة الأولى, والمهمة الكبرى التي تضطلع اللغة بها, وهي إيصال المعني من المرسل, (باللسان, أو بالقلم), إلى المتلقي (بالأذن أو العين)؛ فإننا نستطيع أن نقترب من المكانة الحقيقية للإعراب, بوصفه إحدى الوسائل اللغوية التي تتعاون مع غيرها من القرائن- "كالمعنوية-الحالية-الظرفية"- في تحقيق تلك الغاية ،ومن العربية اشتكت قواعدها وليس العكس كما في غيرها. وعليه؛ فإن كلاماً عربياً غير قليل يمكن أن يفهم من الأوضاع التي وقعت عملية الكلام فيها فلو وقف أحدهم قرب سيارتك المكسور زجاجها قائلا: "هذا كسر هذا" في إشارة إلى الفاعل؛ فلا إعراب في كلامه والكلام قد وصل من إشارته نميز الفاعل الذي هو* الجاني*من المفعول به, الزجاج المكسور.
إذا ، الإعراب في الحقيقة هو قرينة لفظية؛ بالعلامات الإعرابية؛ الأصلية: الضمة والفتحة والكسرة والسكون, والفرعية, مثل الواو والياء والألف, وغيرها..،والخطورة تكمن في التعامل مع الإعراب تعاملا شكليا بمعزل عن المعنى والصحيح أن يعتبر في التناول النحوي عاملُ الصناعة, والمعنى كذلك وهي قوانين. ولما سئل الرجل عن الكتاب أجاب انه جيد مع اعترافه بوجود أخطاء هي ناتجة حسب رأيه إلى ضيق الوقت؟.
ونفس التبرير يورده السيد:عزيز أعراب(مفتش التربية والتكوين)،و يضيف مغالطة ثالثة ورابعة ،حينما يقول:الأخطاء الواردة في الكتاب يصححها الأستاذ والتلميذ أثناء الدرس، مع تقليله من أهمية الكتاب-الأستاذ يوضح ويشرح ويسال ويجيب عن الأسئلة يزن الكفاءات ويقوم التلميذ و...ويصحح الأخطاء في كتاب التلميذ؟،-إنه تجاهل لمهمة الأستاذ ومهنته يا أستاذ-واستهتار بمشاعر الناس.فالعملية التربوية ترتكز دون شك على أربعة أركان (الكتاب ،المعلم، طريقة التدريس، المنهج) وان أي خلل في هذه الأركان يعني الخلل في عملية التوصيل الدراسي.
فالكتب المدرسية لا سيما المتعلقة بالتاريخ واللغة و الأدب والعلوم الاجتماعية عامل متغير يخضع أساسا لسياسة محددة من قبل الدولة كما أن الكتاب هو المعين الذي يستمد منه التلميذ والباحث والهاوي معلوماته فهو يمثل خبرة الأجيال وتراكماتها العلمية و الأدبية فالتدريس بلا كتاب في اعتقادنا ليس إلا نوعا من الإصغاء ،والإصغاء ليس كالقراءة ، فالكتاب المدرسي هو المعلم الصامت ، يرجع اليه الدارس كلما اضطر، لذلك يجب الاهتمام بعنصرين في تأليفه.
- الشكل - المضمون أما الشكل فيتعلق بحجم الحروف ونوع الورق والطباعة والصور واستخدام الالوان في كتابة العناوين الجانبية والرئيسة والصور والاهتمام بالغلاف الخارجي، فهي عوامل لها آثار نفسية وأما المحتوى او المضمون فيعني الاهتمام بلغة الكتاب المناسبة للنمو العقلي والانفعالي للتلميذ تضبط حسب المحيط والمراحل العمرية والاهتمام بالتسلسل المنطقي في عرض المعلومات بحيث تكون العبارات مقاربة للإدراك ويكون الكتاب اللاحق مستندا إلى الكتاب السابق في طرحه لنفس المادة مثلا( في مادة اللغة العربية المفعول به،حالات وروده،تأخره وتقدمه ،..الخ يتوسع الكم المعرفي مع مراحل دراسية أعلى فيكون المنهج الدراسي كالهرم الذي يتكون من عدة أجزاء ليكون البناء الكلي،لهذا نجده مرتبطا بالأهداف العامة للدولة والأهداف الخاصة للدروس ولا يقتصر على عرض المعلومات فقط بل يجب أن يحتوي على مثيرات تشجع على القيام بالبحوث التطبيقية وربط المادة بالخبرة الحسية و المهنية فلا قيمة للمعرفة من دون التطبيق العملي.
اذا، يجب أن يكون الكتاب المدرسي ذا أسلوب يثير في النفوس استجابات ايجابية لما يثيره في عقولنا وخواطرنا من مشاعر وانفعالات، والكتاب هو الأداة الأولى المعبرة عن المنهج ،تترجمه وتدفعه نحو تحقيق غاياته و يحدد لدرجة كبيرة مادة التعليم.
كنا ننتظر من الأساتذة الكرام*خاصة الأستاذ ميرود*،إبراز ما لجمالية الكتاب من تأثير في نفسية الأطفال بما يثيره أخراجه وطبيعة محتواه من مشاعر وانفعالات،كنا ننتظر إثارة تلك المسائل و معالجتها لتقديم نقد أجابي لكتابنا المدرسي،نقد يعالج الخلل و يقلل من الضرر، لأن الحاجة إلى معرفة الخلل ليست ترفاً فكرياً يمارسه المواطن، من أجل المعرفة ،بل هي حاجة ضرورية للعديد من الأسباب التي تجعل من كشفها ودراستها أمراً هاماً وهي: التمكن من المراجعة والتحسين والارتقاء إلى المستوى المنشود.
وتلابتعاد عن المداهنة فيم يتعلق يالمسائل الحساسة والقضايا التي تتطلب الجد،خاصة وأن حجم تدفق المعلومات ضخم ، ونصيب وسائل البث الرقمي،والاتصال، والإثارة وفير، وما يتبع ذلك من ثقافات تفرزها الحالة الإنتاجية ، ما يؤدي إلى فرض نماذج وتأثيرات نفسية وأخلاقية على ثقافات وحضارات الشعوب، ويتم ذلك في وقت أسرع مما يعتقده البعض، لأن العالم أصبح قرية كونية تحت الضوء ،من الصعب أن تعزل أي امة نفسها في دائرة لانغلاق الإعلامي أو محاولة لمقاومة تيار العولمة ، لكن الممكن فعله هو إعطاء أبناء الأمة جرعة تربوية ثقافية أصيلة تكسبهم مناعة.وهو مالا يمكن فعله دون منظومة تربوية منسجمة المبادئ والمنطلقات، متكاملة المساعي، مضبوطة المرامي، فعالة.