الموقف التفاوضي العربي مع إسرائيل عاطف الغمري عندما يجري التفاوض مع حكومة أولمرت في إسرائيل, فإنه يؤخذ في الحسبان أن أولمرت ليس فقط امتدادا لشارون بعدائه المعلن للسلام لكنه أيضا امتداد لعصر كامل تكونت له مبادئه ومفاهيمه, عصر جاء بعد انقلاب سياسي علي عملية السلام ومرجعياتها التي تأسست في مؤتمر مدريد1991, وأوسلو في عامي1993 و1995. وعملية السلام كانت قد اطلقت مبادئ وتعاقدات أقامت ما عرف بعصر ما بعد الصهيونية, وهو ما أفاض مفكرون وكتاب يهود في الولاياتالمتحدة, أوروبا واسرائيل في شرحه وتحليله كمرحلة تتجرد من جوهر أفكار الحركة الصهيونية. وأولها التوسع في الأراضي العربية والاستناد الي القوة والحرب والعدوان والتحرش كطريق لهذا التوسع المتدرج, وعدم قبول الانسحاب من الأرض التي احتلت عام1967, أو استعادة الفلسطينيين حقوقهم الوطنية ومنها تقرير المصير والدولة المستقلة. هذا العصر كان قد بدأ نتيجة حسابات استراتيجية اسرائيلية دفعتها مرغمة إلي قبول مفاهيم ما بعد الصهيونية, منها:1 تحولات النظام العالمي بتفكك الاتحاد السوفيتي, وانتهاء الحرب الباردة.2 تخوف عميق من أن تفقد إسرائيل وظيفتها في خدمة الاستراتيجية الأمريكية والتي قامت علي استخدام الولاياتالمتحدة اسرائيل قاعدة متقدمة لمواجهة النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط.3 الخوف من حدوث تحولات في العالم العربي مثلما حدث في مناطق اقليمية أخري في العالم نتيجة استيعاب العرب لمفاتيح القوة والمكانة في عصر ما بعد الحرب الباردة, وعندئذ قد يتعدل ميزان القوي لصالح العرب. وكان أول اختبار لحالة العلاقة الأمريكية الاسرائيلية عندما خالف رئيس الوزراء اسحق شامير ما التزم به في مدريد من وقف المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة, وفوجئ شامير بقرار من الرئيس الأمريكي بوش الأب, بمعاقبة إسرائيل بوقف تقديم قرض قيمته10 مليارات من الدولارات إذا لم توقف بناء المستوطنات, وذهب وزير خارجيته جيمس بيكر يشرح لأعضائه كيف أن مخالفة اسرائيل للسياسة الأمريكية في غير صالح الأمن القومي الأمريكي, يومها تراجع شامير عن موقفه. وحين تولي حزب العمل السلطة ورأس الحكومة اسحق رابين, وشاركه شيمون بيريز كوزير للخارجية فانه حدد سياسة حكومته استنادا الي الحسابات الاسرائيلية لعصر ما بعد الصهيونية, فقال: اليوم فإن السلام أهم لإسرائيل من الأرض, وكان ذلك يناقض مبادئ الصهيونية, والتي طالما عبر عنها زعماء إسرائيل بلا استثناء منذ أول حكومة رأسها ديفيد بن جوريون. وفي عهد رابين قبلت اسرائيل بالسلام الشامل علي كل المسارات ودخلت في مفاوضات مع سوريا وأرست اتفاقيات أوسلو في عامي1993, و1995, مبادئ التعايش بين جارين اسرائيلي وفلسطيني, وعدم أحقية أي طرف منهما بفرض إجراءات من جانب واحد, وأن يتم إنهاء الترتيبات المرحلية في توقيت زمني محدد تعقبه في الحال مفاوضات الوضع النهائي للاتفاق علي حل نهائي للقضايا الشائكة الخاصة بالقدس, واللاجئين, والحدود والمستوطنات. وكان هناك قبول اسرائيلي بإعادة الأراضي التي احتلت عام1967 مقابل التطبيع واعتراف العرب بوجودها. وفي عام1996 عاد الليكود الي الحكم, وتولي رئاسة الحكومة بنيامين نيتانياهو الذي كان يحمل عداء لأوسلو, ومن قبلها مرجعيات مدريد. وفي مواجهة رئاسة كلينتون الذي حاول التمسك بدور الوسيط النزيه قدر المستطاع, فقد سعي نيتانياهو للتهرب من كل المطالبات بالالتزام بمرجعيات السلام, وما تعهدت والتزمت به اسرائيل. ولما عاد الليكود للحكم مرة أخري عام2000, وبزعامة شارون, فقد ساعدته حكومة أمريكية يسيطر عليها حلفاؤه المحافظون الجدد علي أن يكون أكثر صراحة من نيتانياهو في إعلان عدائه لأسس عملية السلام. وكانت لشارون مقولات يحدد بها رؤيته وسياساته منها: أن حرب48 لم تنته بعد, وأنها لن تقبل تسوية سلام نهائية, وكل ما يقبله هو ترتيبات مرحلية, وإذا كان لابد من دولة فلسطينية فلتكن دولة بحدود مؤقتة وان يترك الحل النهائي لأجيال قادمة. ولهذا فحين وافق علي خريطة الطريق أو غيرها من المبادرات, فإنه كان يقبلها ثم يعمل متعهدا علي تعويقها بمطالب تفرغها من مضمونها. .. والان فإن أولمرت جاء امتدادا لشارون الذي خلفه في الحكم, مؤمنا بنفس أفكاره وكانت صحيفة هاآرتس قد أشارت إلي خطاب أخير لأولمرت, أوضح فيه أن ما سيقبله هو اتفاق مبادئ يتناول المشاكل التي لاتثير خلافات, وتستثني من المفاوضات المشاكل الجوهرية كالقدس واللاجئين والحدود. وأولمرت أيضا وهذا هو الأهم هو أداة منفذة لعصر الانقلاب علي ما سبقه, والذي كان قد عرف بعصر ما بعد الصهيونية, وهو العصر الذي كانت اسرائيل تقبل فيه بمرجعيات عملية السلام التي التزمت بها ثم انقلبت عليها قبل عشر سنوات. وهنا نسأل هل مازال العرب يتعاملون مع اسرائيل, وفق إطار عملية السلام, التي تقررت في مدريد, والتي اعتبروها مدخلا لقبول عملية السلام خيارا استراتيجيا؟. وإذا كان ذلك صحيحا, فهل يتواءم ذلك مع طرف اسرائيلي, نزع عن موقفه كل أسس ومبادئ عملية السلام؟ أري أن العرب يحتاجون لإعادة صياغة موقفهم التفاوضي مع اسرائيل من منظور جديد وعلي أسس جديدة؟