وإذا العانس سئلت...! * يوسف الدعيكي تطلق كلمة عانس من حيث اللغة على كل من الرجل والمرآة على حدا سواء،وهي تعني أن يصل الإنسان لعمر معين دون زواج ..ولكن ولأسباب اجتماعية صرفة فان هذه الصفة لا تطلق على الرجل ولا يعير بها ، وذلك لان الرجل وكما انه حر بالزواج من واحدة أو اثنتين وحتى أربع زوجات ، فهو حر أيضا بان يبقى دون زواج .. أما شان المرأة فمختلف تماما ، فهي المسكينة ستكون منبوذة إذا ما وصلت إلى سن العنوسة ، وتبقى رهينة حالتها هذه تتلقفها الأمواج العاتية ، تتأرجح بها بين القيل والقال وبين الشك واليقين ، وبين الخوف وانعدام الثقة ، لتظل بذلك وحسب المفهوم الخاطئ الظالم وصمة عار تطارد أهلها ، ولعنة تحل بسمعة الأسرة شأنها في ذلك شأن الأرملة أو المطلقة التي تترمل أو تتطلق وهي صغيرة السن وعلى قدر من الجمال ، فهي وبحالتها هذه لن تنجو من براثن ومخالب الذئاب البشرية التي لا يروق لها أن تترك المصابة تعاني مصابها بهدوء وتواجه الحياة وقسوتها بشرف وراحة بال ، بل عليها دائما وأبدا أن تواجه اللعنات وعلامات الاستفهام وإشارات الاتهام التي تحوم حولها محولة حياتها لجحيم لا يطاق .. ورغم أن مأساة المطلقة والأرملة جديرتين بالاهتمام ، إلا أننا سنتحدث عن الحالة الرئيسية ، بموضوعنا وهي العنوسة ، وللعنوسة نفسها أسباب أو لنقول بان هناك أصنافا من العوانس إن صح التعبير ، صنف سببه الشكل الخارجي ، أي أن الفتاة لا يكون لها نصيب بجمال الشكل وهذا ليس ذنبها .. وصنف سببه سلوكيات المعنية نفسها ، كأن تكون مستهترة أو طائشة أو غير مؤدبة مما يجعل الجميع ينفر منها..والصنف الأخر سببه العادات والتقاليد وذلك عندما تصر أسرة الفتاة على ضرورة تزويجها من نفس العيلة ، فتبقى تنتظر احد أقاربها الذي قد لا يأتي، وصنف أخر أيضا سببه ضعف شخصية الفتاة وقلة خبرتها بالحياة وتدني مستواها الثقافي والتعليمي .. ثم هناك الصنف المدلل والمتمثل بالفتاة الدلوعة المادية الحالمة والتي تحلم بزوج لديه كل الإمكانيات ، وبه كافة المواصفات المطلوبة ، فتظل ترفض هذا وذاك على أمل أن يأتيها ذلك الفارس كامل الأوصاف على صهوة جواده الأبيض ..ولكن السنوات تمضي وفارسها لا يأتي وتكون النتيجة العنوسة مع سبق الإصرار ، ثم هناك من وصلت لهذه السن بسبب رغبتها بإتمام دراستها العليا مفضلة العلم والعمل على الزواج،وهناك من ضحت في سبيل أن تبقى بجانب أبويها المحتاجين للرعاية والاهتمام أو في سبيل أن ترعى إخوتها الصغار في حالة وفاة الأب أو ألام أو كليهما معا..وكل هذه الأصناف لن تكون هدفنا ، ولكننا سنتطرق إلى صنف أكثر ظلما وأكثر معاناة لا لشئ إلا لأنه يعاني من جريرة غيره ويدفع ضريبة أخطاء الآخرين بالرغم من أن هدا الأمر قد فصل الله سبحانه وتعالى فيه بكتابه العزيز بالآيات الكريمة بقوله تعالى .. بسم الله الرحمن الرحيم (( لا تزر وازرة وزر أخرى)) ، (( وكل نفس بما كسبت رهينة )) , صدق الله العظيم.. هذه الآيات واضحة وصريحة ولا تحتاج إلى تفسير ومع هذا فان الكثير منا لا يفهمها ولا يعمل بها فمثلا عندما يرغب شخص ما الاقتران بفتاة معينة ، فانه لا يكتفي بتلك الأوصاف حينما يجد من تملكها وإنما يصر أيضا على أن يكون كل من حولها ومن له صلة بها على نفس موصفاتها تقريبا وحجته في ذلك الحديث المنسوب للرسول الكريم (( تخيروا لنطفكم فان العرق دساس )) وهو حديث ضعيف، ولو كان صحيحا ، لما تزوج النبي عليه السلام من (( صفيه بنت حيي بن الأخطب )) زعيم اليهود بالمدينة المنورة وأشدهم عداوة للرسول ، التي تزوجها بعد أن قتل أباها وزوجها وعمها واغلب أهلها في غزوته ضدهم بعد أن نكثوا عهدهم وأرادوا به سوءا ، فلماذا لم يكن العرق دساسا هنا ؟!!! بل العكس تماما كانت زوجته (( صفية )) من أحب زوجاته لقلبه ، مما جعل زوجاته الأخريات يتضايقن منها ويعيرنها بأصلها اليهودي ، فاشتكت للرسول منهن ، فقال لها الرسول مبتسما قولي لهن ، أنا أفضل منكن ، فأبي نبي وعمي نبي وزوجي نبي ، أبي موسى ، وعمي هارون ، وزوجي محمد ، عليهم أفضل الصلاة والسلام .. فهل بعد هذا يكون للحديث المنسوب أي معنى ؟!!.. وهناك من يؤكدون على الأمثال الشعبية عند اختيارهم للزوجة فيقولون (( ابحث لأبنك عن خال ))أو الابن خال ، أي أن الابن سيحمل نفس صفات خاله .. وهناك أيضا المثل الذائع الصيت بأغلب الوطن العربي (( اقلب الجرة على فمها تطلع البنت لامها )) أي أن الفتاة سوف تحمل صفات أمها سواء كانت صفاتها حسنة أم سيئة ، وهذا المثل يذكرنا بقصة عظيمة حدثت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما كان يتفقد الرعية كعادته ، فوجد امرأة صحبة ابنتها تبيع اللبن المخلوط بالملء فنهرها عمر عن ذلك ، فعاهدته بالا تفعل هذا من جديد ، ولكن المرأة عاودت الغش وخلطت اللبن بالماء .. وعندما رأت عمر قالت بأنها لم تخلطه وإنها صادقه فيما تقول فتركها عمر في حالها ولكنه سمع ابنتها تقول يا أمي لقد نجوت من عمر فمن ينجيك من رب عمر ، فأعجب عمر بهذه الفتاة الصالحة وبعد عودته للبيت جمع أبناءه وحكى لهم ما حدث وقال أتمنى أن يتزوجها أحدكم ، فترددوا وخاصة أن الجميع يعلم بان أمها بائعة اللبن المغشوش ، عندها قال لهم إما يتزوجها أحدكم أو أتزوجها أنا .. فتقدم ابنه عاصم وتزوجها فأنجبت له أبنته ( ليلى ) التي تزوجها عبد العزيز بن مروان فأنجبت منه عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين والملقب بالرجل الصالح والفاروق حفيد الفاروق وهو من كان ابن بنت بنت بائعة اللبن المغشوش ، فهل كانت بنت بائعة اللبن مثل أمها ؟ وهل كانت ليلى أم عمر بن عبد العزيز مثل جدتها أم أمها ؟ أم أن الجرة هنا لم تنقلب على فمها !!!! وماذا يا ترى سيكون حال الفتاة بنت بائعة اللبن لو إن الجميع رفضوا الزواج بها ، لا لشئ إلا لان أمها تغش اللبن ؟ بالتأكيد ستبقى عانسا تعاني الأمرين بذنب لم تقترفه ولم تكن راضية عنه ، وهذا هو حال الكثير من العوانس اللائي يملكن اغلب المواصفات المطلوبة ولكنهن أخدن بجريرة غيرهن مع الفارق في التشبيه طبعا ، فبالله عليكم ماهو ذنب فتيات لا ينقصهن شئ والكمال لله وحده بقين عوانس ينفر الجميع منهن ، لأن غيرهن أخطأ وانحرف ، فهل عليهن أن يدفعن وزر ما فعله أو يفعله الغير ؟!!! أو هل نحن نكون في هذه الحالة قد ساعدنهن على تخطي أزماتهن ؟ أم أننا دفعناهن كرها على أن يكن مثلهن مثل الذين انحرفوا حتى يصدق فيهن ذاك الحديث المنسوب ، أو نؤكد صحة تلك الأمثال البالية ، والتي أكاد أن أجزم بأنها من مخلفات الاستعمار التركي الذي حكم شعبنا العربي لقرون عديدة ، فغرس فينا ترهاته وغطرسته من أنفة زائدة وعنطزة فاضية وأفكاره الطبقية وألقابه الباشاوية والبكاوية ونظرات التعالي ونظرية سلالات النبلاء التي لا ينبغي لها الاختلاط بباقي طبقات الشعب الكادحة ، ونحن كلنا من ادم وادم من تراب ، وكلنا بشر والبشر خطأوون وخير الخطأين الثوابين ، لذا علينا وقبل أن نروي الأحاديث المنسوبة للرسول الكريم بشأن هذا الموضوع ، وقبل أن نردد الأمثال الشعبية الخاطئة ، وعلينا جميعا وقبل أن نصدر أحكامنا التعسفية الجائرة على مخلوقات امرنا الله ورسوله بسترها وحمايتها ، أن نتذكر ما قاله الله عز وجل وما أوصانا به رسوله بحجة الوداع ، فلقد أوصانا بالنساء خيرا . والله من وراء القصد.. ** محامي ليبي