نحن العرب والولاياتالمتحدة د. شفيق ناظم الغبرا هناك عقدة أميركية في جميع البقاع العربية، وهي عقدة قديمة جديدة، إذ يبدو العالم العربي بسبب هذه العقدة، وكأنه أخذ مكان الاتحاد السوفياتي والقوى الشيوعية التي كانت تتصارع مع الولاياتالمتحدة. وبينما تصالحت الصين مع أميركا وتصالحت دول شتى مع الولاياتالمتحدة، وانضمت معظم أوروبا الشرقية إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» ولأوروبا الموحدة تبقى المنطقة الإسلامية إحدى أكثر المناطق احتقاناً تجاه الولاياتالمتحدة. إن هذا التصادم في شكله الراهن يزيد من مشكلات العالم العربي ولا يقربه من تنمية أوضاعه أو ضمان استقراره. وتتعدد أسباب الإشكالية العربية الأميركية، فالصراع مع إسرائيل والتحالف الأميركي الإسرائيلي يمثلان أحد أسباب هذه الإشكالية. وقد ارتبط هذا مع سلسلة الحروب العديدة بين العرب وإسرائيل والمواقف الأميركية المؤيدة لإسرائيل. هكذا نشأ في الوعي العربي حالة شك وصراع مع السياسة الأميركية. لهذا وجدت القومية العربية في زمن الحرب الباردة أنها في صدام مع الولاياتالمتحدة، ما مهد لتحالفها مع الاتحاد السوفياتي، كما وجد الإسلام السياسي مادة للصراع مع الولاياتالمتحدة، ما مهد إلى الحرب الدائرة اليوم بين أجنحة أساسية من التيارات الإسلامية من جهة والولاياتالمتحدة من جهة أخرى. وكما وجدنا في زمن الشيوعية أن الشيوعيين اختلفوا مع الولاياتالمتحدة في طريقة الحياة نجد في المرحلة الجديدة من الإسلام السياسي، وصدامه مع الغرب الأميركي، اختلافاً كبيراً في طريقة الحياة واللباس والتعبير. هكذا يستمر الصدام من خلال تعبيرات عسكرية: العراق، فلسطين، لبنان، ومن خلال تعبيرات ثقافية (الحجاب، رفض القيم الغربية). ويعبر عن هذا الصراع أجنحة عسكرية مثل المقاومة في العراق، أو «حزب الله» في جنوب لبنان، أو «حماس» في فلسطين، و«القاعدة» في العراق وأفغانستان ودول أخرى. كما تعبر عنها أجنحة سياسية وثقافية منتشرة في الدول الإسلامية كافة. ولكن هل يمثل استمرار هذا الصدام مصلحة للعالم العربي والإسلامي؟ كيف تصالحت الصين مع الولاياتالمتحدة رغم الصراع والاختلاف الكبيرين بين البلدين؟ وكيف سعت أميركا اللاتينية وجميع الدول التي كانت سابقاً في حرب وصراع مع الولاياتالمتحدة إلى إيجاد حلول لصراع يؤخر أكثر مما يقدم؟ لماذا يأخذ العالم العربي على عاتقه هذه المواجهة الخاسرة التي تضم الى تاريخنا مخاسر جديدة؟ ما الفائدة من التصادم بينما لا نجيد اللعبة الدولية ولا نجيد محاورة الآخرين، ولا نجيد صناعة الديبلوماسية وصناعة الإعلام والاقتصاد والتنمية كما تجيدها شعوب أخرى؟ هل نأخذ فسحة من الوقت لنغير سياساتنا ونسعى إلى انفراجات تصب لصالح تنميتنا العلمية والإنسانية؟ إن الولاياتالمتحدة ليست جسماً موحداً، كما يعتقد بعضنا. إنها دولة كبرى تمثل ثلث اقتصاد العالم، وتمثل ريادة في مجالات العلم والتكنولوجيا. في هذه الدولة فئات وتيارات وتنوع ووجهات نظر وانتخابات وآفاق للتغيير. الولاياتالمتحدة تحمل في فكرها وطياتها توجهات متحررة لصالح الديموقراطية في العالم، وتحمل في الوقت نفسه جانباً محافظاً وسلبياً يعكس سيطرة تيار على تيار في انتخاباتها. في الولاياتالمتحدة أشخاص من أمثال المرشح الرئاسي باراك أوباما، وفيها دعاة كبار لحقوق الإنسان، وشخصيات من أصل عربي حققت نجاحات كبرى في إيصال الصوت العربي، وفيها بالوقت نفسه قاعدة من أهم قواعد اليمين الديني المسيحي. وفي كلتا الحالتين الولاياتالمتحدة معرضة إلى التغيير أكثر من دولنا، وهي معرضة لأن يأتي إلى رئاستها يساري أو ديموقراطي ككارتر وكلينتون، وربما أوباما. التغيير في الولاياتالمتحدة يقع كل أربعة أعوام أما عندما فكل جيل أو جيلين. إن إحدى مشكلات الصراع مع الولاياتالمتحدة في عالمنا العربي هي أن كل من يريد أن يدمر العالم العربي ويجره نحو المغامرة نجده يستخدم الولاياتالمتحدة في معركته. ألم يفعل هذا صدام حسين في غزوه للكويت؟ ألم يستخدم بن لادن و«القاعدة» الولاياتالمتحدة كتبرير لأحداث الحادي عشر من سبتمبر بكل نتائجها الكارثية على العرب والمسلمين وعلى العالم؟ إن وجود أنظمة تمارس التسلط من دون أن تمتلك مشروع دولة دفع بالكثير من دولنا إلى صراعات لا ضرورة لها كان بالإمكان تفاديها. لهذا فالصراع مع الولاياتالمتحدة أصبح تعبيراً عن أزمة حكم وأزمة سياسة في أكثر من دولة عربية وإسلامية. إن الاستمرار في معركة غير محسوبة النتائج مع الولاياتالمتحدة لا يخدم مستقبل العالم العربي. في السياسة لا يوجد صراع مفتوح إلى الأبد، ولا يوجد وئام دائم. آن الأوان لنتعلم من تجارب شعوب أخرى تصارعت، بل وتحاربت مع الولاياتالمتحدة مثل الصين وفيتنام، ثم تصالحت معها وسعت إلى تعويض تراجعها التنموي والعلمي من خلال الانفتاح على الولاياتالمتحدة. لنراقب تطور العلاقة الفرنسية الأميركية التي تنتقل من العداء إلى الصداقة لنرى الفارق بين السياسة والأزمة. الرغبة بالتقدم والرغبة بالإنجاز يجب أن يكونا معيارنا وليس الرغبة في الصراع من دون حساب النتائج وآفاق الربح والخسارة. عن صحيفة الرأي العام الكويتية 12/8/2007