أهلاً بالحرب الباردة جهاد المومني لم تترك السياسات الأميركية من خيار لروسيا غير العودة إلى الحرب الباردة بجبهاتها المختلفة، التضاد السياسي وسباق التسلح والمواجهات الدبلوماسية، لكن الولاياتالمتحدة قادرة على إضافة جبهة أخرى لعناوين الخلافات مع روسيا هي الجبهة الاقتصادية معتمدة في ذلك على حلفائها الغربيين والشرقيين على السواء وهم يملكون مفاتيح الاقتصاد العالمي الذي تحاول روسيا دخوله من بوابة الانفتاح والإصلاح بينما تطالبها مجموعة الناتو بأكثر من ذلك بكثير، فروسيا مطالبة بالسكوت على سياسات توسعة الحلف وتسلحه، ثم تأييد السياسات الغربية أو التزام الحياد التام إزاءها حتى عندما لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح روسيا نفسها. أما الخط الأحمر الذي تجاوزه حلف الناتو - وفقا لمقاييس موسكو - فكان تهديد أمن روسيا مباشرة بدرع صاروخي يضع موسكو تحت رحمة الناتو في أي وقت، إضافة إلى تفاصيل أخرى لضربات اقتصادية وأخرى سياسية وجهتها واشنطنلموسكو في الخفاء، ومنها الأزمة الدبلوماسية مع بريطانيا وطرد لندن لدبلوماسيين روس، وهي أزمة لا يساور احد الشك في موسكو بأنها من سيناريوهات التأثير الأميركي على القرار البريطاني ولا تبتعد كثيرا عن تحرشات واشنطن. لم تترك سياسات واشنطن لدول في المنطقة أيضا من خيار غير الاستفادة من الحرب الباردة بين القطبين للترحيب بالأسطول الروسي مقيما دائماً في موانئها المطلة على البحر المتوسط، ما دامت الولاياتالمتحدة لا تكف عن تهديد هذه الدول في أحسن الظروف السياسية وأسوئها، وفي هذه الحالة تكون قد ضمنت لنفسها حماية القطب الشغوف بتجديد مكانته في مياه المتوسط وعلى شواطئه بعد غياب طويل فرضته سياسات الإصلاح والانفتاح وإعادة البناء وجميعها عناوين لم تعد مغرية بالنسبة لروسيا السياسية والاقتصادية بعدما برهن الغرب على انه رأى في السابق ولسوف يرى في روسيا المستقبل ندا لا شريكا، هذه الفرضية وحدت رأسمال المال والسياسة في روسيا وباتت تحظى بإجماع الأضداد في بلد تهددته التجزئة قبل سنوات قليلة من اليوم عندما دخله الغرب من بوابة العولمة والشراكات الاقتصادية والتفاهم السياسي لينقسم الروس ما بين غربيين وشرقيين، منفتحين ومحافظين،شيوعيين ويمينيين. أما اليوم وبعد أن أظهر الغرب نواياه الحقيقية من خلال جملة خروقات ليس الدرع الصاروخي أولها ولن يكون آخرها، فأن روسيا تنتفض من جديد وتعيد التفكير فيما تعتبرها تنازلات تاريخية قدمتها في سياق عملية إصلاح مدفوعة الثمن من (محرضين) على الانهيار لا أصدقاء يهمهم إن تنهض روسيا من سبات دام سبعة عقود كاملة من الحكم الشمولي، هكذا يفكر الروس اليوم،أما التصرفات المرافقة لهذا الفكر الجديد فتدل على أنهم يسرعون لتعويض ما خسروا من هيبة الدولة العظمى ولا يستثنون التسلح من هذا الجهد المدعوم هذه المرة باقتصاد مبشر بدأ المنافسة مع الاقتصاديات الغربية على غرار السياسة تماما. روسيا تنتقم لهيبتها وتعود من بوابة القوة العسكرية والأساطيل والصواريخ العابرة ،أما إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى ما زالت تعاني غيبوبة الانهيار الكبير لايديولوجيا الحد الأدنى من الصمود قبل عشرين سنة على يد المصلح غورباتشوف، فإنها اليوم تعيد بناء الأحلام الكبيرة على عودة الحرب الباردة وتتنفس الصعداء كلما تفاقم غضب موسكو وخرج جنرالات جيشها بنياشينهم اللامعة يمهدون طريقا لنزاع طويل هذه المرة يبشر بقسمة العالم من جديد. عن جريدة الرأي الاردنية 9/8/2007