لم يكن قرار وزراء دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) الخميس الماضي باستئناف العلاقات التي كان قد جمدها مع روسيا سوى حلقة في مسلسل "غزل صريح" بدأه الغرب مع "الدب الروسي" منذ شهور. فقبل اجتماع الناتو اعترف وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند بحاجة الحلف إلى إعادة علاقاته الرسمية مع روسيا. ولا يمكن لمثل هذا الموقف البريطاني أو الأطلسي أن يكون بمعزل عن الموقف الأمريكي في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما الذي ينطلق من قناعة قوية بحاجة بلاده إلى علاقات "دافئة" مع روسيا التي أصبحت تمتلك العديد من أوراق الضغط على الولاياتالمتحدة والغرب بشكل عام سواء في أفغانستان أو إيران وكذلك جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. فعندما قررت قيرغيزستان إغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية على أراضيها وهي التي تمثل أهمية حيوية للقوات الأمريكية في أفغانستان ، سارعت روسيا إلى عرض فتح أراضيها أمام نقل الإمدادات العسكرية لقوات الناتو وأمريكا إلى أفغانستان رغم اتفاق المراقبين على أن خطوة قيرغيزستان تمت بإيعاز من روسيا. وقد كان أوباما واضحا عندما طلب مساعدة روسيا في التعامل مع الملف النووي الإيراني مقابل إعادة النظر في مشروع نشر الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ في شرق أوروبا والذي تعتبره روسيا تهديدا خطيرا لأمنها القومي. ثم جاءت رسالة أخرى لا تقل حرارة ولكن من باريس هذه المرة ، عندما أعربت حكومة فرنسا رفضها التمادي في توسيع حلف ناتو الذي يمثل هاجسا استراتيجيا للروس. وفي حلقة نقاشية نشرها موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي قال إيجور يورجينس رئيس مجلس إدارة معهد التنمية المعاصرة الروسي ، إن هناك قناعة قوية لدى دوائر الحكم في موسكو بوجود مجالات عديدة للتعاون مع الولاياتالمتحدة بدءا من الأمن ومنع الانتشار النووي وصولا إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية ، ولكن الأمر يتوقف على حدوث تغير ملموس في المواقف الأمريكية التي كانت معادية لروسيا خلال حكم جورج بوش. أما السفير الأمريكي السابق ريتشارد بورت فيقول إن الأزمة التي تواجه العلاقات الأمريكية الروسية الآن هي عدم إدراك الكثير من الأمريكيين لحجم التغير الذي حدث في روسيا منذ أوائل التسعينيات في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. في الوقت نفسه فإن الروس لديهم شعور بالغضب من السياسات الأمريكية خلال العشرين عاما الماضية ، والتي تعمدت إضعاف روسيا والتقليل من شأنها في العديد من المواقف وان الوقت قد حان لإعادة ضبط معادلة العلاقة بين موسكووواشنطن. أما ستيفين بيجون مدير إدارة العلاقات الحكومية في مجموعة فورد موتور كورب الأمريكية للسيارات فقال خلال الحلقة النقاشية إن الولاياتالمتحدة أصبحت في حاجة إلى علاقة أشد دفئا مع روسيا ، ليس فقط على مستوى القيادات السياسية وإنما أيضا على مستوى التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البلدين. وإذا كانت واشنطن تراهن بنسبة كبيرة على الصين من أجل الخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة ، فالأرقام تقول إن روسيا أيضا بما تمتلكه من فوائض مالية ضخمة تمثل ثالث أكبر احتياطي نقدي في العالم بعد الصين واليابان وقدره 387 مليار دولار تستطيع مد يد العون إلى الاقتصاد الأمريكي "المريض". ثم أن الولاياتالمتحدة الآن ربما كانت أقل قدرة على خوض سباق تسلح على غرار الحرب الباردة في ظل اقتصاد تداعى إلى الدرجة التي دفعت الرئيس أوباما إلى إعادة النظر في العديد من برامج التسليح عالية التكلفة. وبالتالي فإن ترطيب الأجواء مع روسيا يجنب الولاياتالمتحدة خوض مثل هذا السباق المميت لا سيما وأن روسيا ترسل إشارات متلاحقة على استعدادها لخوض السباق.