عن جمال عبدالناصر.. بالمناسبة!! محمد خروب يدهشني ويبهجني هذا الحضور البهي لقائد ثورة 23 يوليو، رغم كل هذه السنوات الطوال التي مرت على الثورة اولاً، والعقود الاربعة (تقريبا) على رحيل جمال عبدالناصر عن هذه الدنيا الفانية.. للذين لم ينتهوا بعد من تصفية حسابات الثأر من عبدالناصر، ويواصلون محاولاتهم المحكومة بالفشل لطمس تراث هذا الرجل العظيم، ان يقولوا ما يشاءون، فهم لا ينتظرون ذكرى الثورة ليهيلوا التراب على ذكرى عبدالناصر ومنجزاته، وهم بالتأكيد لا يحتاجون احداً ليذكرهم بذكرى وفاته في الثامن والعشرين من ايلول (الذي هو يوم انهيار الوحدة وانفصال سوريا عن مصر بعد الانقلاب الذي قاده خليط من القوميين (...) وعملاء السي آي ايه وزبائن السفارات في العام 1961).. كارهو عبدالناصر الشخصي وقائد الثورة والمنحاز بلا تردد او خشية للغالبية العظمى من المصريين الفقراء والعمال والشغيلة والطبقة الوسطى، بمكوناتها وشرائحها، وصاحب الدعوة بأن يرفع المصريون والعرب رؤوسهم بعد طول طأطأة وقهر اجتماعي وسياسي داخلي بطابعه الطبقي، وخصوصاً أجنبي.. الكارهون هؤلاء، لا ينتظرون الخامس عشر من كانون الثاني، ليلعنوا ذلك اليوم الذي رأت عينا عبدالناصر النور قبل تسعة عقود بالضبط (15/1/1918).. فهم واظبوا، الهجوم على عبدالناصر، وانخرطوا في حلقات التآمر التي استهدفت حياته وعقدوا التحالفات والصفقات مع اصدقائهم، الذين رأوا في المشروع الناصري خطراً على مصالحهم وتهديداً لخطابهم وامتيازاتهم ورغبتهم في البقاء تحت دائرة الضوء وقرب اصحاب صناعة القرار، وكان أن قبضوا التمويل، واخفوا الاسلحة وادوات التخريب وقام نفر منهم بغسل ادمغة السذج والبسطاء، وروجوا الشائعات عن ارتباطات سابقة لعبدالناصر باحدى الجماعات الدينية في ايحاء ان الرجل ادار ظهره للجماعة التي اسهمت في انجاح ثورته، ثم ما لبثت هذه الجماعة المعروفة الارتباطات بالسفارتين البريطانية والاميركية وخصوصا بمجموعات نافذة في بلاط فاروق، ان راحت تتهم عبدالناصر بنسج علاقة مع الاميركيين (من تحت الطاولة) ولم تتورع عن استخدام السلاح لاغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية بعد ان وصلت الى مرحلة اليأس بامكانية احتواء قائد الثورة او بعض الضباط الاحرار، وان كان انور السادات لم يتوقف للحظة عن مغازلتم بهذه الطريقة او تلك ? لكن ارهابهم ارتد الى نحورهم وبدأت الجماعة بالتقهقر على النحو المعروف، قبل ان يخرجهم السادات من عزلتهم بعد رحيل عبدالناصر، لاستخدامهم في مواجهة اليسار المصري، بناصرييه وشيوعييه وتياره الوطني، وكي يعطيهم اشارة البدء باشعال الفتنة الطائفية التي امتدت على نحو غير معهود لم تعرفه مصر ذات يوم، حتى قبل قيام الثورة وفي اثنائها، ولم يكن شعار يحيا الهلال مع الصليب مجرد ثرثرة او كلام فارغ، بقدر ما كان تعبيرا صادقا عن الوطنية المصرية وعن حقوق المواطنة وحق كل ابناء مصر في العيش على ارض وطنهم كشركاء، دون هيمنة او وصاية او غلبة دينية او طائفية وخصوصا في النظرة الى الاقباط بما هم شعب مصر قبل الفتح الاسلامي بقرون. قرأ عبدالناصر المشهد المصري بعمق ووعي في مرحلة الاعداد للثورة، بعد نجاحها وخصوصا بعد ان استوعب حقيقة المقولة التاريخية التي لا تسقط بالتقادم ان من يُرى من هنا (أي من داخل القصر ودائرة صنع القرار) لا يُرى من هناك. هي مسؤولية الحكم الاخلاقية والسياسية والوطنية، ولأي شرائح شعبية على الثورة ان تنحاز بعد ان كان الفساد قد تمأسس وبعد ان تكرس مجتمع ال 5% حيث هذه القلة الجشعة والمنحطة تسيطر على 95% من ثروات البلاد وتمسك باقتصادها وتجارتها، فيما 95% من المصريين يتمتعون بفضلات الاسياد التي لا تزيد في افضل الاحوال عن 5% من الناتج القومي. هل نكتب الشعر ونتغنى بأمجاد الماضي أو نخترعها؟. دعونا اذاً في نعيم جهلنا، وقولوا لنا، ما الذي فعلتموه بعد ان غاب عبد الناصر وأُجهضت مكتسبات الثورة واعيد الاقطاع بهذا الشكل او ذاك تحت مسميات عديدة وقوانين استولدتها اغلبية لا تعرف كيف جيء بها ولا تدرك متى يتم الاستغناء عن خدماتها.. هاتوا ما عندكم، فليس في عهد عبد الناصر غير القمع والديكتاتورية وزوار الفجر وحظر العمل الحزبي وعدم الايمان بالتعددية. لن نناقشكم في كل ذلك. ليس من موقع العجز او الاستسلام بل من باب الاعتراف بتواضع انجازات عبد الناصر اذا ما تفوقت انجازاتكم بعد 38 عاما على رحيل قائد الثورة، على ما استطاع خلال 18 عاماً ان يحقق ميدانياً وبالارقام، لصالح العمال والفلاحين وفي حقول التعليم والتصنيع والخدمات وبناء الجيش، رغم الحصار والمؤامرات والعدوان الثلاثي وارهاب الجماعات المتطرفة التي ارادت اغتياله، بعد ان فشلت في استيعابه وسرقة ثورته. أين من هنا... بعد ان غدت التعددية مجرد طقس فولكلوري، وبعد ان غدا قانون الطوارىء جزءاً من المشهد منذ سبعة وعشرين عاماً، وبعد ان لم يعد التعليم الجامعي سوى لأبناء الاغنياء، وانهار التعليم المدرسي وسُحقت الطبقة العاملة ولم يعد يتقدم المشهد غير الليبراليين الجدد، الذين يروجون للخصخصة وينظرون لأفكار اقتصاد السوق وشعارات منظمة التجارة العالمية ويعدون الفقراء بفوائد العولمة وقدرتها على انتشال البلاد المأزومة والمهزومة والمثقلة بالديون من وهدة الفقر والجوع والبطالة والفساد.. وهي في واقع الحال لا تعدو كونها من ابرز تجلياتها. - اين كنا واين انتم الان؟. ... اسألوا انفسكم. عن صحيفة الرأي الاردنية 23/7/2008