جلباب الوهم!! * عبد القادر مصطفى عبد القادر الإنسان كائن طيني، فهو متصل بالأرض ابتداءً وانتهاءً..منها خُلق، ومنها أكَل وشَرب ولَبس، وعليها راح وغدا، وفي باطنها سوف يعود ميتاً، ثم يتحول إلى تراب كما بدأ... فلماذا يتفلت الإنسان من يدي أمه..يبحث عن فكاك من جاذبيتها؟!. لماذا يَهْرب الإنسان من واقعه ويقلع بعيداً في بحر الأوهام..يبحث عن أمنياته في عالم الخيال بعدما عجز عن تحقيقها في عالم الحقيقة؟!. لماذا يغرق الإنسان نفسه في بحار الأحلام الوردية، ويعزف عن التعايش مع الحقائق المجردة؟!. لماذا يحرث الإنسان في البحر، ويبنى قصوراً من رمال، وينشئ عالماً من ورق؟!. *إنه العجز الذي يلوذ به العاجزون ويتعلق بتلابيبه الفاشلون، بعدما تخلوا طواعية عن أعز ما يملكه الإنسان، بعدما تخلوا علانية عن أحد جناحين يطير بهما المرء في سماء الإنسانية المكرمة، لينضموا بلا خجل وبلا استحياء إلى من سبقوهم على درب السلبيين والانهزاميين والجبريين، ممن فقدوا إرادتهم، ففقدوا مساحة كبيرة من إنسانيتهم، فعاشوا بلا قيمة على هامش الحياة..تتقاذفهم أمواجها أنى شاءت. *إنه الخوف من رؤية الحقيقة، ومن مواجهة ضوء النهار، مثلما تفعل كائنات الظلام، التي تهوى العيش في سراديب الكهوف، تنسج عالماً من خيوط الليل، ثم تتشرنق فيه، ثم تتوهم أنها قد خلقت عالماً جديداً، ثم تسرع إلى اختلاق الحجج ودفع البراهين حتى يكون الوهم حقيقة، وحتى يكون السراب ماء، مخادعة للنفس حتى تعيش في كنف الوهم وهى تظن أنها تملك ناصية الحقيقة..والحقيقة التي لا تقبل الجدل أن هؤلاء ومن وازاهم فكراً وسلوكاً قد اصطنعوا حقيقتهم هم..تلك الحقيقة التي تفضح خوفهم وجبنهم وهم في مواجهة معطيات الحاضر. *إنه الجهل، وأشر الجهل فتكاً، ذاك النوع الذي يتصور معه صاحبه أنه أدق الناس فهماً، وأوسعهم عقلاً، وأكثرهم علماً، فيصمُّ أذنيه، ويغمض عينيه، ويغلق عقله..إلا مع من علموه أن يكون كذلك، وهذا المدخل الماكر أصلت له بعض الأيديولوجيات التي تغرد خارج السرب، وتعزف عن وتر العصيان والتمرد، ولهذا الهدف استقطبت بعض الأغصان الغضة من شباب لم تصقلهم بعد تجارب الحياة، فعند أول نقطة انطلاق تلقفتهم..ثم راحت تشكل أفكارهم واتجاهاتهم حيث شاءت، وذلك من خلال شعارات براقة وكلمات براقة، تجنح بهؤلاء الفتية صوب الخيال والوهم وتبعدهم كل البعد عن الواقع، ثم تغرس في نفوسهم أنهم الصفوة، إلهاباً لحماسهم وتأجيجاً لاندفاعهم، ليصب كل ذلك في مجرى المصالح الشخصية والفئوية المحدودة. *إنه التلصص على المستقبل دون امتلاك الوسيلة التي تؤدى إليه، متمثلاً في تدنى مستوى الطموح، وتراجع عزيمة الكفاح، وتوقف السعي الدءوب لإثبات الذات، ومن ثم الإصابة بحالة من الجمود والتقوقع تتيح الوقت الكافي للسياحة الطويلة في عالم الوهم، الذي يتخيل صاحبه أنه يطير في الفضاء، أو يمشى على صفحة الماء، أو يحقق من الخوارق ما شاء..! نحن أمس الحاجة إلى الواقعية..لنعرف أين نقف؟..لنعرف إلى أين نريد أن نذهب؟..لنعرف كيف نحقق ما نريد؟، والأمر يتطلب وقتئذ شيئاً من مواجهة الذات ومن محاسبة النفس، حتى لا نقف على طريق الحياة فرادى نرى الحياة كما نشاء، وإلا ننزوي في ركن مجهول على هامش الحياة، نقضى أياماً ثم نرحل، أو نعيش في جلباب الوهم..نسبح في بحر الخيال. نحن في أمس الحاجة إلى التخلص من الأفكار الجبرية والحتمية..لأن القدر لن يغير حالنا إلا إذا تغيرنا..ولن نستطيع أن نصل إلى الخطوة التالية إلا إذا قطعنا الخطوة الحالية، فليست الحياة بالتمني..وإنما تؤخذ الدنيا غلابا. إن الواقعية تعنى القدرة على الحياة... ** مصر