الفراغ الرئاسي في لبنان .. هل يسبب حربا أهلية ثالثة؟؟ *إدريس الشامخ لقد غادر الرئيس اللبناني إيميل لحود قصر بعبدا بضواحي بيروت بعد انتهاء مدة ولايته والسنوات الثلاث الإضافية لها بمقتضى التعديل الدستوري الذي كان مجلس النواب اللبناني قد وافق عليه قبل اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري بشهور قليلة، وهو ماكان قد أثار زوبعة سياسية داخل فريق المعارضة آنذاك بقيادة الطائفة المسيحية ممثلة في فريق قرنة شهوان والحزب الإشتراكي الديمقراطي بقيادة وليد جنبلاط قبل أن يلتحق بهم تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري نجل الرئيس المغتال، ليشكلوا مجتمعين ما أصبح يعرف ب "قوى 14 شباط " في مقابل تكتل سياسي مناقض أصبح يعرف هو الآخر ب " قوى 8 آذار" ولكلا التاريخين دلالات سياسية مرتبطة أساسا بالحدث الجلل الذي شهده لبنان والمتمثل في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. اليوم يغادر إيميل لحود كرسي الرئاسة في احترام تام ونادر للدستور في ساحتنا العربية، وفي هدوء مشوب بخوف شديد من عودة لبنان إلى سنوات الحرب الأهلية لاسيما مع بقاء منصب الرئاسة شاغرا بعد عجز الفريقين الأساسيين في اختيار رئيس توافقي يمثل كل اللبنانيين وليس فريقا بعينه، إذ لم تفلح كل التدخلات الأجنبية أو الوساطات العربية أو حتى المبادرات الداخلية التي كانت مبادرة العماد ميشيل عون آخرها في تقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة حول من يخلف الرئيس إيميل لحود، ليبقى بذلك لبنان بلا رأس وبلا قيادة حقيقية إلى أجل غير مسمى، وهو الأمر الذي يفتح هذا البلد على كل الإحتمالات السوداء بما فيها احتمال العودة إلى سنوات الحرب الأهلية الثانية التي طوي اتفاق الطائف في العام 1989 فصولها الدرامية، وما يعزز ذلك أيضا هو تجارب سابقة شبيهة بما يحصل الآن من فراغ رئاسي شهدها لبنان في محطات سابقة وأدت إلى اندلاع مصادمات دامية ونخص بالذكر منها أول ثورة بيضاء عرفها لبنان عام 1952 وأطاحت بأول رئيس شهده لبنان بعد إلغاء الإنتداب الفرنسي في العام 1943 ويتعلق الأمر بالرئيس بشارة الخوري الذي يرجع إليه الفضل إلى جانب رياض الصلح في صنع أول ميثاق وطني للتعايش بين الطوائف اللبنانية، ومرورا بمحطة انتهاء ولاية خلفه كميل شمعون في العام 1958، والتي أدت حينها إلى نشوب الحرب الأهلية الأولى بين مناصري التيار القومي العروبي المدعوم من طرف الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر ومناصري حلف بغداد المدعوم أمريكيا، والتي انتهت بانتخاب رئيس الجيش آنذاك فؤاد شهاب رئيسا للبلاد خلفا لشمعون ، إذ رفع الرئيس الجديد شعار " لاغالب ولا مغلوب" كتعبير عن رغبته في استباب الأمن وإشاعة روح الأخوة والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف اللبنانية، واخيرا وليس أخيرا محطة التنازع حول الرئاسة بين رئيس حزب الكتائب الأمين جميل ورئيس الجيش العماد ميشيل عون في نهاية الثمانينات والتي لم تحسم إلا بتدخل عسكري سوري ضد عون. لكن بالرغم من ذلك، لا تزال الأطراف السياسية اللبنانية على اختلاف مشاربها وولاءاتها تؤكد على حرمة الدم اللبناني وعلى حرصها على عدم جر لبنان إلى سنوات الإقتتال الداخلي، وتعول في ذلك على حياد مؤسسة الجيش ووقوفها على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، وهو المعطى الذي لم يكن متوفرا قبل اتفاق الطائف، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو إلى متى ستبقى المؤسسة العسكرية ملتزمة بمنطق الحياد ولبنان يسير من سيئ إلى أسوأ؟؟ وهل ستبقى هذه المؤسسة مكتوفة الأيدي في حال نشوب مصادمات طائفية أو مذهبية -لاقدر الله- على هامش تحرك سياسي لهذا الفريق أو ذاك كما حصل سابقا مع نزول فريق 8 آذار إلى شوارع بيروت وساحاتها لإرغام حكومة فؤاد السنيورة على الإستقالة؟؟ نعلم أن تلك التحركات قد تم تحجيمها بعد الأحداث الدامية الأحداث الدامية التي شهدها لبنان يومي الثلاثاء 23/01 /07والخميس 25/01/07 والتي راح ضحيتها أكثر من عشرة قتلى ومئات الجرحى، وأصبح حينها حديث المراقبين يدور حول وشوك قيام حرب أهلية طاحنة بلبنان بسبب ارتفاع حدة الإحتقان الطائفي والمذهبي الذي يسود المنطقة عموما بسبب ما يجري في العراق. إن هذه الأحداث وضعت الجميع معارضة وأكثرية أمام مسؤولياتهم التاريخية في عدم جر البلاد مرة أخرى نحو الحرب الأهلية، والحفاظ على إنجازات اتفاق الطائف، كما وأرسلت بناقوس خطر إلى الدول الإقليمية المعنية بالصراع اللبناني، للتدخل العاجل، وممارسة أقصى الضغوط على مختلف الأطراف لوقف تدهور الأوضاع نحو الهاوية، لأنه بات معلوما أن استقرار لبنان هو جزء لايتجزأ من استقرار المنطقة عموما. هناك عامل أساسي آخر ساهم في الماضي ولايزال يساهم في الحاضر في توتير الأجواء السياسية بلبنان وهو العامل الخارجي ممثلا في تدخل قوى إقليمية ودولية في الشأن اللبناني الداخلي ومحاولتها جعل لبنان ساحة لتصفية حساباتها دون مراعاة مقدرة هذا البلد الصغير والمعقد بتلويناته الطائفية والمذهبية على تحمل تبعات كل ذلك، نعم مطلوب من لبنان كدولة عربية أن يبقى صامدا في وجه العدوان الإسرائيلي والإمبريالي الذي يستهدف المنطقة لكن ضمن حدود طاقاته المعقولة وليس ضمن الحدود التي يصنعها له الآخرون خصوصا في ظرف يشهد فيه ميزان القوى السياسي والعسكري اختلالا واضحا لصالح أعداء أمتنا العربية والإسلامية. المطلوب اليوم من كافة القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية وعلى اختلاف مشاربها وانتماءاتها السياسية والمذهبية نبذ كل خلافاتها الداخلية لصالح إنقاذ لبنان من السقوط في أتون حرب أهلية ثالثة باتت معالمها تترسم يوما بعد يوم في الأفق، والبداية هي من التوافق على رئيس وطني جديد يملء الفراغ الدستوري والسياسي ويقود البلاد نحو بر الأمان بعيدا عن الحسابات الإقليمية والدولية وفي مقدمتها حسابات مؤتمر أنا بوليس الفاشل، والعودة إلى طاولة الحوار لحل المسائل العالقة الأخرى وفي مقدمتها مسألة المحكمة الدولية وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تمثل كافة الأطياف اللبنانية وتمهد لانتخابات تشريعية تعطي الكلمة الفصل للشعب اللبناني في رسم مشهده السياسي بعيدا عن كل تأثير خارجي، وإلا فإن البديل سيكون هو المزيد من التدخل الإقليمي والدولي بما سيهيئ الأجواء أمام نشوب حرب أهلية ثالثة !! ** ايطاليا