المكان: مركز المؤتمرات بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة. المحاضر: خالد الفيصل التاريخ: 20 ربيع الأول 1430 ه
النص: " وقد نجم عن ظهور هذا التيار التكفيري ظهور تيار متطرف على الجانب الآخر وأعني به «التيار التغريبي» وبالتالي أصبح لدينا تطرف من جهتين تكفيري وتغريبي، فالتكفيري يريد أن يسلخنا عن دنيانا، والتغريبي يريد أن يسلخنا عن ديننا، وكلاهما له أجندة وبرنامج، هذا يريد أن يوقف كل تعامل مع الآخر ويستحل دم من يختلف معه في الرأي ويعمد إلى التدمير والتخريب بصرف النظر إن كان بين ضحاياه نساء وأطفال من المسلمين أو غير المسلمين.
وقد انتهز التيار التغريبي هذا التطرف ليقدم للمجتمع السعودي البديل بنقل الفكر والنظم والقيم الغربية وتطبيقها على هذا المجتمع بصرف النظر عن أن بعضها يخالف عقيدتنا الإسلامية، وأصبحنا بين تيارين كلاهما مضر وكلاهما مدمر".
بهذه السطور أبدأ ردي على صديقي شتيوي الغيثي، في مقالته ( التغريبيون يا كاتب الاعتدال)، لأؤكد له ابتداء بأنني لم أدخل في تعريف لمصطلح(التغريب) ولا بيان محدِّداته في مقالتي، بل طالبتُ – بصفتي إعلامياً- بأن تبذل النخب جهودها بهذا الاتجاه.
وإذا كان الزميل شتيوي يرى إشكالاتٍ في تحديد معنى مصطلح (التغريب) –وهو ما أفهمه من كلامه-، فهو في الواقع يؤيد موقفي، حتى وإن أظهر كلامه في صورة الاعتراضِ. أما إن كان يريد إلغاء المصطلح نهائياً وإنكار دلالاته على توجه موجودٍ، فليته صرح بذلك. ولو فعل فإنه يكون قد وقع في خطأ، لن يجد كثيرين يوافقونه عليه، اللهم إلا التغريبيين أنفسهم.
مصطلح (التغريب) ليس اصطلاحاً خاصاً بمجتمعنا، بل هو اصطلاحٌ ثقافي مستعمل. ويقصد به – كما أفهم- ذلك التوجه الذي يسعى أصحابه إلى استيراد القيم الغربية المخالفة لقيمنا المستمدة من ديننا الحنيف. و من الطبيعي أن يقع الاختلاف في تحديد ما هو مخالفٌ مما ليس كذلك. فلأجل ذلك ألحت سطور مقالتي بأن تتوجه الجهود لتحرير معنى (التغريب)، وبخاصةٍ في ظل الهيمنة الثقافية الغربية التي لا بد أن تثمر انتقال مفاهيمهم إلينا بخيرها وشرها.
وقد ضربت في مقالتي مثالاً بحادثة ذاك المجاهر بالرذيلة، فمثل ذلك الحديث الذي تجرأ به الشاب غريب عن قيم مجتمعنا، فهو ينطلق من قيم غربية منحلة تسعى لتطبيع ذلك الفجور.هذه الممارسات وما يشابهها، هي ما أعنيه بحديثي عن (التغريب).
أنا طالبت النخب بتحرير دلالة المصطلح، وحين تقدم شتيوي الغيثي للتعقيب، فقد توقعت أني سأجد في كلامه جهداً بهذا الاتجاه. لكني قرأت المقالة كلها، فلم أجد سوى محاولة لتعويم المصطلح أكثر منها محاولة لتحديد معناه.
فحين يقول الغيثي مثلاً إن الكثير من الحركات الإسلامية تطلق على كل "من يتعامل مع الغرب على أنه تغريبي المنهج"، ثم يذكر أن هذا "تفكيرٌ يحظى بقابلية كبيرة و وثوقية مطلقة لدى قطاع عريض من أفراد المجتمع". هذا الكلام في الواقع تعويم للمصطلح، و حديث عن إشكال لا وجود له. فليس هناك في الحركات الإسلامية اليوم من يعتبر جميع صور التعامل مع الغرب مما يندرج تحت مصطلح التغريب.
أقول هذا وأنا في صميم هذه التيارات دراسة ومعرفة. والذي أفترضه أن العزيز شتيوي حين أطلق مثل هذا الكلام، فلا بد أن لديه أمثلة ثريةً تثبت هذه النظرة التي يقول إنها منهج الكثير من الحركات الإسلامية، وإنها نظرة تحظى بقابلية كبيرة في مجتمعنا، فليته يتحفنا بأمثلةٍ ونماذجَ لنشاركه رفضها والرد عليها.
وكذلك الأمرُ حين يقحم الزميل سياسات الغربيين وممارساتهم الاقتصادية والعسكرية في حديثنا عن (التغريب)، فهو في الواقع يعوِّم المصطلح بإقحام مفهومٍ لا علاقة له بما نتحدث عنه. فحين يقول الصديق العزيز: (يجب التفريق بين الغرب كثقافة وحضارة وبين الغرب كسياسة وأجندة سياسية يراد لها أن تطبق بعيداً عن القيم الإنسانية). فهذا الكلامُ في الواقع أجنبي للغاية عما تحدثت عنه. فأنا لم أذكر قط سياسات الغربيين و أطماعهم التي لا تخفى. وليس لهذا أي علاقة بالتغريب الذي أتحدث عنه ويتحدث عنه غيري. الكلام كله يتعلق بالقيم الاجتماعية الغربية السيئة التي تغزو مجتمعاتنا، وليس عن الممارسات السياسية والاقتصادية للحكومات الغربية.
ولو قرأ الغيثي مقالتي جيداً، فسيجد سطوري تنبثق مما قاله سمو الأمير خالد الفيصل، فأنا أتحدث عن (التغريبيين الذين يريدون منا الانسلاخ عن قيمنا، وتبني قيم الغرب التي بدأت في التغلغل في مجتمعنا). هذا ما ذكرته بالنص في مقالتي، فمن أين خطر ببال شتيوي أن السياسات الغربية هي التي رسخت المعنى السيئ للتغريب عندي، أو حتى عند غيري.
نعم لقد أصاب زميلنا شتيوي في قوله إني عرضت مصطلح (التغريب) في سياق الرفضِ، فهو توجه مرفوضٌ تماماً بالنسبة لي. وأحسبه كذلك عند جميع من يستعمله. بل أظنه سيكون كذلك عنده، بعدما فهم المقصود منه. ولعله يعيد النظر الآن في قوله إني وقعت في خطأ منهجي، حين عرضت المصطلح في سياق الرفض.
مصطلح (التغريب) كغيره من الاصطلاحات، فمعناه العام واضحٌ، ولن تخلو تفاصيله من إشكالاتٍ يقع الاختلاف فيها. لكن هذه الإشكالات لا تلغي المعنى الواضح العامِ. ولو كانت مثل هذه الإشكالات موجبة لطرح المصطلح وإلغائه، لسقطت جلُّ الاصطلاحات التي تدور على ألسنة النخب الثقافية. فمثلاً : ما معنى (التطرف الديني)؟ وما حدوده؟ وما معنى (الوسطية)؟ وما حدودها؟ و ما معنى (الغلو) وما حدوده. كل هذه الألفاظ واضحةٌ في معناها العام، رغم وجود خلافات في تفاصيلها وحدودها. و وجود مثل هذه الاختلافات، هو ما يبرزُ فيه دور النخب وأهل التخصص والأكاديميين، فهم المؤهلون لمناقشتها وبحثها. لأجل هذا توجهت بخطابي لهذه الفئة من أجل تحرير حدود المصطلح.
سأختم مرددا مع أمير الاعتدال بأن يحفظ الله بلادنا من تياري التكفير والتغريب، بمنهج الاعتدال السعودي المنبثق من وسطية ديننا العظيم.
* إعلامي سعودي [email protected] صحيفة (المصريون) التاريخ 25 - 8 - 2009