سذاجة الرهان على أوباما فايز رشيد كثيرون من الكتاب والمحللين السياسيين العرب يراهنون على المرشح الديمقراطي باراك أوباما للفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو إذا ما فاز سيعتبرونه نصراً عربياً بامتياز، ولذلك تراهم يدبجون المقالات المادحة له والمشيدة بأصوله الإفريقية وخلفية والده الاسلامية وشجاعته وصموده، وكأنه بحد ذاته جاء من قالب خارجي وليس من قوالب مرشحي الرئاسة الأمريكية. لذا فإن هؤلاء يتوقعون تغييراً حقيقياً في السياسة الخارجية الأمريكية، وكأنها، وفي حالة فوزه، ستنتصر لقضيتي فلسطين والعراق ولعموم القضايا العربية. بدايةً، فإن اوباما وفي اكثر من مناسبة تنكر لأصوله الإفريقية، وقد قال بالحرف الواحد “انه لا يذكر نفسه إلا أمريكياً" وهو إذا كان والده مسلماً فهو قد تنكر لديانة عائلته، لأنه يعتنق المسيحية (أورد هذه المسألة انصافاً للحقيقة وليس من باب الانتقاص من ديانته)، وإذا ما أخذت معظم الأمريكيين فهم مهاجرون من دول مختلفة، ويكفي أن نقول إن تاريخ أمريكا الشمالية وانشاء الولاياتالمتحدة منذ بضعة قرون لا أكثر، ما يجعل والحالة هذه المرشح الديمقراطي مهاجراً في أصوله مثل كل المهاجرين، بمن فيهم الانجلوسكسونيون مع اختلاف واحد، انه جاء في أصوله من القارة الإفريقية. من استمع إلى خطاب أوباما أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني (ايباك) منذ فترة وجيزة، يخرج بانطباع أن هذا المرشح يقف على يمين أعتى عتاة الفكر الصهيوني المتطرف، فهو مع “إسرائيل" قلباً وقالباً، ومع الأمن “الإسرائيلي" أولاً وأخيراً، وهو يعتبر المقاومة المشروعة “إرهاباً" يستوجب محاربته، ووعد بأنه سيدعم أن تبقى القدس العاصمة الموحدة والأبدية للكيان، كما تعهد أيضاً بأن تبقى “إسرائيل" متفوقة في تسليحها مقارنة مع ما تمتلكه مجموع الدول العربية. ولم يتطرق لا من قريب أو بعيد للمعاناة الفلسطينية المتواصلة. قد يقول قائل، ان ما قاله أمام المؤتمر هو محاولة لكسب أصوات اليهود في أمريكا، ولذا فإن تصريحاته ليست أكثر من كلام تذروه الرياح، هذا ما قرأته بالحرف في بعض المقالات. والسؤال، هل يستطيع أوباما التراجع عما أعلنه، وإغضاب اللوبي اليهودي؟ وهل سيضرب مصالح الكارتل الصناعي العسكري، القادر على تسويق منتجاته التسليحية فقط من خلال الحروب وأجواء التوتر في العالم؟ إن الحاكم الفعلي في الولاياتالمتحدة هو أقطاب هذا الكارتل، وهم كبار الرأسماليين، وعن دور هذا المجمع الصناعي المالي الأمريكي وتأثيره في السياسة الخارجية، وفي هذا الصدد قال الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور في خطابه الوداعي إلى الشعب الأمريكي مساء 17 يناير/ كانون الثاني من عام 1961 “هناك الآن مجموعة صناعية عسكرية، مالية، سياسية، فكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية، لذا فإننا نحذر من استمرار نفوذها المعنوي والسياسي على القرار الأمريكي، لأن ذلك يشكل خطراً علينا قبل أن يكون خطراً على غيرنا". بالتالي، إذا وصل أوباما أو ماكين، فلن يتغير جوهر السياسة الخارجية الأمريكية سوى في بعض التفاصيل. أما بالنسبة للسياسة الداخلية فهناك اختلاف ما بين رئيس أمريكي وآخر، ليس إلا. وبعد، فهل من مراهنة على (الرئيس) أوباما؟ سؤال نطرحه على المراهنين عليه؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 16/7/2008