وصلت الجولة الأخيرة من الحوار بين وفدي حركتي 'فتح' و'حماس' في القاهرة الى طريق مسدود بسبب استمرار الخلافات بين الجانبين، حول القضايا الأساسية، مثل كيفية إعادة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل قوات أمن جديدة على أسس وطنية مهنية، وتعديل قوانين الانتخابات.
تأجيل الحوارات الى شهر آب (أغسطس) المقبل هو اعتراف مبطن بهذا الفشل، ورغبة من الوسيط المصري في عدم التسليم بالهزيمة، بعد أن بذل الكثير من الوقت والجهد من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولية إعادة أعمار غزة والإشراف على المعابر.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس اقترح يوم أمس إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في أسرع وقت ممكن، لإنهاء الانقسام الفلسطيني الحالي، بعد إخفاق جولات الحوار في التوصل الى أي نتائج. وقال في لقاء مع الصحافيين في بيت ساحور في الضفة الغربية 'ان من ينتخبه الشعب هو الذي يقود البلد'.
كلام السيد عباس جميل في مظهره، ولكنه ينطوي على العديد من المغالطات، أبرزها ان الفوز في أي انتخابات تشريعية أو رئاسية ليس ضمانة أكيدة لقيادة البلاد، أولا لأنه لا يوجد بلد وإنما مناطق فلسطينية مقطعة الأوصال، وترزح تحت نير الاحتلال، وثانيا لأن تجربة الانتخابات التشريعية السابقة التي فازت فيها حركة 'حماس' قوبلت نتائجها بالرفض من قبل الولاياتالمتحدة وإسرائيل والدول الغربية، وفرض مقاطعة سياسية واقتصادية شرسة على الحكومة التي انبثقت عنها.
والأهم من ذلك، ان السيد محمود عباس ما زال رئيسا للسلطة في رام الله، رغم ان فترة رئاسته انتهت منذ مطلع هذا العام، وسيظل رئيسا حتى في العام المقبل، لأن إرادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ورغباتها أقوى من صناديق الاقتراع.
الرئيس عباس يدرك جيدا ان الظرف الحالي، حيث الانقسام الفلسطيني على أشده، لا يصلح لإجراء انتخابات، سواء رئاسية أو تشريعية.
فالانتخابات تتم عادة في ظل توافق سياسي، ومصالحة وطنية، تماما مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية الموريتانية الأخيرة، ولذلك فإن طرحه إجراء انتخابات فورا كمخرج من حالة الفشل المستمرة التي تواجهها جولات حوار القاهرة هو من قبيل 'التعجيز' لا أكثر ولا أقل.
المشكلة الكبرى التي تواجهها الساحة الفلسطينية، وفصائلها، وأحزابها، هي غياب القرار المستقل لدى معظمها، وارتهان الكثير من قادتها لأطراف وأجندات خارجية.
فالسلطة الفلسطينية على سبيل المثال لا تستطيع أن تدخل في اتفاقات مع حركة 'حماس' يمكن أن تشكل استفزازا لإسرائيل والولاياتالمتحدة، ولا ترضى عنها الدول المانحة التي تقدم شريان الحياة المالي لها. والشيء نفسه يقال، وإن بدرجة أقل، عن حركة 'حماس' حيث تقيم تحالفات وثيقة مع إيران وسورية و'حزب الله'.
لا بد من الاعتراف بأن طرفي المعادلة السياسية الفلسطينية، أي حركتي 'فتح' و'حماس' يعيشان حاليا أزمة متفاقمة، أبرز عناوينها انهيار المشروع العربي، وانفضاض الدعم للقضية الفلسطينية من قبل الأنظمة العربية، وتعامل معظمها مع إسرائيل كدولة صديقة، واستعداد بعضها للتطبيع المجاني معها.
وهكذا، فإن حالة الجمود الفلسطينية الراهنة ستستمر، وستستمر معها عمليات التهويد الاستيطانية، والخلافات الفلسطينية الداخلية في الوقت نفسه، وهي صورة قاتمة للمشهد الفلسطيني بكل المقاييس.