الإسلام والديموقراطية د. شفيق ناظم الغبرا هل يمكن للإسلام أن يتداخل مع الديموقراطية والحريات والحقوق المدنية؟ ما يقع في تركيا يؤكد بأن ذلك ممكنا ضمن شروط وأوضاع محددة. فالأتراك يخطون نموذجاً يتناقض والكثير من النماذج الإسلامية المحيطة بهم أكان ذلك في إيران حيث تحوّل الإسلام إلى دولة، أو في غزة حيث تحوّل إلى سلطة، أو في بقية الدول العربية حيث تحوّل إلى سلطات معارضة فعّالة. إن تركيا بلد بالأساس علماني فرضت عليه العلمانية من قبل مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك في العشرينات من القرن العشرين، وذلك بعد سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1918، كان القرار العلماني التركي ديكتاتورياً في سلطته لا يختلف عن السلطة التي أقامها الكثيرون من الضباط العرب الانقلابيين في كل من سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. فالفصل الكامل بين الدين والدولة كانت له الغلبة في الأجواء التي سادت العالم العربي في ذلك الزمن. وبطبيعة الحال أصبحت العلمنة اللاديموقراطية نمطاً آخر من الديكتاتورية إذ خلت من المرونة والحرية، كما أنها كانت معادية لليبرالية وجوهر الديموقراطية. بل كانت هذه العلمنة من السلطوية لدرجة أنها حرمت على الناس شعائر بسيطة من شاكلة لبس الحجاب في تركيا. لهذا كانت ردة الفعل على هذه العلمنة بحجم قوتها وسيطرتها، إذ جاءت ردة الفعل بأبعادها الإسلامية والدينية من إيران إلى بقية الدول العربية، وصولاً إلى تركيا، كتأكيد على حق الإنسان في اختيار شعائره وحقوقه العبادية. هكذا برزت التيارات الإسلامية في كل من مصر والدول العربية بقوة منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كما أنها فازت بمقاعد أساسية في البرلمانات. لم تكن ردة الفعل على العلمنة بصورتها المصرية والإيرانية والعربية بأفضل مما وقع في زمن العلمنة نفسها، فهي جاءت عنيفة، ورافضة للرأي الآخر وساعية إلى الصدام، وذلك لأنها تربت في ظل القمع الذي مورس ضدها في معظم الأوساط العربية، إذ برزت تيارات إسلامية لم تمتلك مساحة لرأي آخر. وقد أدى هذا إلى تعاظم فكرة الخلاص من خلال طريق وحيد جديد أخذ مكان الشعارات القومية. فعوضاً عن الوحدة والحرية والاشتراكية التي قال بها القوميون أصبح الشعار الجديد «الإسلام هو الحل»، وعوضاً عن فلسطين طريق الوحدة أصبح تطبيق الشريعة هو طريق القوة والمنعة. في هذا كله لم يطبق الإسلام كما عرف بصفاوته وفطرته التاريخية وحضاريته الإنسانية، ولم يتبلور النموذج الذي يحترم حريات المجتمع وتطوره الديموقراطي، إذ بدا واضحاً أن التيارات الإسلامية هي الأخرى تحتاج نقداً وإعادة نظر. هكذا يأتي التوجه التركي وقبله التوجه الخاتمي في إيران (والذي تراجع مرحلياً) كنتاج لهذا النقد وكأساس لهذا التقييم من المنظار التركي. الإسلام المنفتح على الآخرين، والذي يترك المساحات للاخرين، ولا يسعى إلى فرض أطروحاته بالقوة أو بالضغط، والذي يحترم الاختلاف والتنوع ويتقبل الرأي والرأي الآخر هو الإسلام الذي تبشر به التجربة التركية. هذا التوجه نحو الإسلام بصفته إسلاماً حضارياً من بين أعضائه محجبات وغير محجبات هو نمط التيار الإسلامي الذي يتقبل كل من يسير مع برنامجه السياسي الرئيسي الذي أصبح في الجوهر برنامجاً تنموياً وليس دينياً. فهل تكون تركيا التي سيتأخر دخولها للنادي الأوروبي مفتاحاً جديداً للتغيير في الشرق الأوسط؟ عن صحيفة الرأي العام الكويتية 29/7/2007