نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق السادس من مايو في صفحتها الثانية عشرة مقالا للأستاذ شريف الشوباشي تحت عنوان( أطالب بإلغاء عقوبة الإعدام). وفي الحقيقة فإن ما يطالب به الأستاذ الشوباشي وما استند إليه من مبررات لإلغاء عقوبة الإعدام لنا عليه عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولي: أن ما يطالب به الأستاذ الشوباشي يتعارض مع حكم شرعي مهم ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وهو( القصاص) قال تعالي( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي......) وقال تعالي( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فالله سبحانه وتعالي هو الذي خلق الخلق ويعلم ما يصلح له فشرع القصاص( الإعدام) كعقوبة علي القتل العمد العدوان.
وقد وصف الله سبحانه وتعالي القصاص بالرغم من أنه قتل للجاني وإهدار لحياته بأنه حياة من عدة نواح: فهو حياة لأولياء المجني عليه لأنهم إذا رأوا أن القاتل قد نال جزاءه هدأت عواطفهم واطمأنت قلوبهم فلا يلجأون إلي الأخذ بالثأر الذي حرمه الإسلام والذي قد يطول الأبرياء من أسرة الجاني.
وهو حياة لأولياء الجاني لأنه إذا اقتص من القاتل اطمأنوا إلي أن أهل المجني عليه لن يلجأوا إلي الثأر الذي قد يطول أيا منهم فتتحقق بالقصاص من الجاني حياة عائلته وأسرته لأنه بالقصاص لا يقتل إلا القاتل دون غيره.
وهو حياة للمجتمع بأكمله فعقوبة القصاص تتضمن معني الزجر والردع مما يؤدي إلي استقرار المجتمع وندرة وقوع الجرائم فيه ومن ثم فإن القصاص يعد من أكبر وأهم العوامل لاستقرار العدل في المجتمع والأمن في نفوس الناس, وفيه أيضا الاحتفاظ بكرامة الإنسان وحريته وحياته. وعقوبة القصاص موجودة أيضا في الديانة اليهودية فقد جاء في سفر الإصحاح35: إن ضربه بأداة حديد فمات فهو قاتل. إن القاتل يقتل. وإن ضربه بحجر يد مما يقتل به فمات فهو قاتل إن القاتل يقتل.
كما جاء في سفر التثنية الإصحاح19 نفس بنفس.. عين بعين.. سن بسن.. يد بيد.. رجل برجل كما أن الديانة المسيحية لم تمنع القصاص وإن كانت تميل للعفو فقد جاء في إنجيل متي الإصحاح5: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل.... وقد أكد ذلك القرآن الكريم بقوله تعالي وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس, والعين بالعين, والأنف بالأنف, والأذن بالأذن, والسن بالسن, والجروح قصاص.
الملاحظة الثانية: استند الأستاذ شريف الشوباشي في دعواه بإلغاء عقوبة الإعدام إلي أن القانون لا يقوم علي المشاعر والغرائز ولكن يقوم علي العقل والمصلحة العامة ولم يذكر لنا سيادته أين العقل والمصلحة العامة في إلغاء عقوبة الإعدام, فهل من العقل والمصلحة العامة الإبقاء علي حياة قاتل الطفل زياد وأخته شهد الذي طعنهما أكثر من خمسين طعنة مما يوحي بقسوته وتعطشه للدماء ورغبته في الانتقام وينم عن سلوك إجرامي متأصل فيه, وأين العقل والمصلحة العامة في الإبقاء علي حياة الذئاب العشرة الذين خطفوا زوجة من منزلها واغتصبوها علانية وأمعنوا في إذلال زوجها بالاتصال به لحظة اغتصابها في تحد واضح لكل القيم الأخلاقية والقانونية.
وهل من المصلحة العامة الإبقاء علي حياة قاتل مديرة الائتمان ببنك مصر والذي كشف عن دناءته وقسوته وأين العقل في الإبقاء علي حياة قاتلة زوجها وتقطيعه وإلقائه للكلاب الضالة؟.
الملاحظة الثالثة: يري الأستاذ الكاتب أن دور القانون ليس هو التشفي والانتقام والثأر والقصاص وإنما دوره يتمثل في تنفيذ القانون والعدالة ومنع المجرمين من ممارسة جرائمهم.
ونحن نتفق مع سيادته في أن دور القانون يتمثل في تحقيق العدالة ومنع المجرمين من ممارسة جرائمهم ولكن التساؤل المطروح هو أين العدالة في الإبقاء علي حياة قاتل أهدر نفسا وشرد أسرة ودمر مستقبلا وألحق ضررا بالغا بالمجتمع. فعقوبة الإعدام هي جزاء وفاق للجريمة, فالجريمة اعتداء متعمد علي النفس, والعدالة أن يؤخذ الجاني بمثل فعله إذ لا يعقل أن يفقد والد ولده, ويري قاتله يروح ويغدو بين الناس, وقد حرم هو من رؤية ولده.
وفي هذا يقول صاحب كتاب التشريع الجنائي في الإسلام إنه ليس في العالم كله قديمه وحديثه عقوبة تفضل عقوبة القصاص, فهي أعدل العقوبات إذ لا يجازي المجرم إلا بمثل فعله, وهي أفضل العقوبات للأمن والنظام, لأن المجرم حينما يعلم أنه سيجزي بمثل فعله لا يرتكب الجريمة غالبا.
وليس هناك ما يمنع من أن تتضمن العقوبة ما يشفي غيظ المجتمع بصفة عامة وأقارب المجني عليه بصفة خاصة, فالإعدام وإن كان فيه التشفي أو جبر النفس إلا أنه عقوبة تقصد في الأصل إلي زجر وإرهاب الجاني لمصلحة المجتمع, ثم هل خلت العقوبات المقيدة للحرية من معني التشفي!!!
الملاحظة الرابعة: يري سيادته أن الإعدام لا يحقق الردع بدليل أن دولا ألغت عقوبة الإعدام ولم تعد إليه فهذا مردود عليه بأن الإعدام إذا لم يحقق الردع فما الذي يحققه من وجهة نظر سيادته؟
هل هو السجن, والإجابة أن كثيرا من الجناة يخرجون من السجن أشد قسوة وأكثر رغبة في ارتكاب الجرائم ثم إن هناك دولا كثيرة قد عادت إلي تطبيق عقوبة الإعدام بعد أن ألغتها تحت وطأة كثرة الجرائم وقسوة المجرمين بل إن كثيرا من التشريعات الوضعية الحديثة التي استبعدت عقوبة الإعدام من تشريعاتها لم تستطع أن توقف تزايد الجريمة وخاصة في مجال جرائم القتل العمدي والإيذاء البدني..
الملاحظة الخامسة: ومن المستغرب حقا أننا نجد من يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام قد رقت قلوبهم ولانت تجاه القاتل فاستفظعوا قتله ورحموه من القتل, وكان الأولي بالشفقة والرحمة والعطف هو المجني عليه الذي دفع حياته هدرا ثم التساؤل عمن يرحم المجتمع من سطوة المجرمين في هذا العصر, وماذا نصنع مع العصابات التي كثرت في هذه الأيام واتخذت لها طريقا إلي ترويع المجتمع بالسلب والنهب وسفك الدماء.
وأخيرا فإننا نطالب في ظل كثرة جرائم القتل والعنف والاغتصاب بسرعة البت في الجرائم وتوقيع القصاص العادل لتحقيق الردع والعدالة واحترام القانون وضمانا لحياة الجميع وصدق الله العظيم حيث يقول ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون.