عادل الاسطة مرة سألني محرر أدبي: هل صحيح ان الشعراء لم يكتبوا منذ (هوميروس) حتى اللحظة سوى قصيدة واحدة؟ ولعلني أجبت يومها، متأثراً بمقولة بنيوية: لقد كتبوا قصيدتين، قصيدة حب وقصيدة حرب، وكل ما كتب ليس سوى تكرار، هذا اذا جردنا، كما يقول البنيويون. وأنا أقرأ في كتاب مناهج النقد الادبي، وعنوانه الدقيق: مدخل الى المناهج النقدية الحديثة، وهو لمجموعة من المؤلفين الفرنسيين، وقد صدر ضمن كتاب "عالم المعرفة" في الكويت، لفت نظري ما ورد في ص59 عن القراءة البنيوية: "فقد ننتقل من قراءة نص ما الى ربط نصوص مختلفة للمؤلف ذاته للكشف عن بنية نفسية محددة" و"او قد نربط بين نصوص ذات أصول مختلفة للخروج ببنية شاملة وعامة". وربما ربط المرء بين "اوديب" و"هاملت" و"السراب" لنجيب محفوظ. هل يختلف ما سبق عما ذهب اليه طه حسين الذي دعا الى دراسة الأدب العربي على أساس من الموازنة بينه وبين الآداب القديمة الكبرى، وذلك لأن الحياة الانسانية تتشابه وتتقارب مهما تختلف ظروفها ومهما تنوع ما اختلف عليها من الخطوب، وقد لاحظ هذا دارسو طه حسين. قبل ثلاثة اسابيع تقريباً اقتنيت كتاباً عنوانه "بنات ايران"، ومؤلفته الايرانية (ماهيد رشلان)، وكتب على لوحة الغلاف: رواية واقعية، والمؤلفة من مواليد 1945، عاشت في ايران، ثم غادرتها، زمن الشاه، لتقيم في الولاياتالمتحدة، وقد صدرت روايتها في العام 2006، ونقلت الى العربية في العام الحالي (2008)، وقد ترجمها عمر الأيوبي ترجمة لا تخلو من أخطاء نحوية كثيرة، حبذا لو تداركتها دار النشر. لا أدري لماذا وجدتني أقرأ الرواية فوراًً، علماً أن هناك كتباً أخرى لدي تنتظر القراءة، ويجدر ان انجز عنها مقالات، وما ان انتهيت من قراءة "بنات ايران" حتى وجدتني افكر في كتابة مقالة عن صلتها ببنات الرياض للروائية السعودية رجاء الصانع، الرواية الصادرة في العام 2006، هل العنوان وحده هو ما أوحى لي بذلك، لا ليس العنوان وحده، فعدا مقولة فرويد والبنيويين وما ذهب اليه طه حسين، وجدت ان الروايتين في خطوطهما العامة، بعيداً عن الاسلوب، تتشابهان. تصدر (ناهيد رشلان) روايتها بملاحظة منها: "هذا كتاب مذكرات، وهي الاحداث التي ما زلت اذكرها وما قيل لي عندما كنت في سن تسمح لي بالاستيعاب.. وقد غيرت اسماء القليل من الاشخاص والمؤسسات والاماكن للحفاظ على خصوصيتهم.." فهل يختلف هذا التصدير عما اوردته رجاء الصانع في مقدمة روايتها، حين كتبت: "أي تشابه بين أبطال الرواية واحداثها والواقع هو تشابه مقصود". وسيرى قارئ الروايتين أيضاً ان الاهداء ليس بمختلف كثيراً. لا أدري متى بدأت (ناهيد رشلان) كتابة روايتها ومتى انتهت من ذلك. ولا ادري متى بدأت رجاء الصانع كتابة روايتها ومتى اصدرتها أيضاً؟ هل نشرت الأخيرة مثلاً روايتها في بداية العام 2006 او في نهاية العام 2007، وكتبت عليها تاريخ 2006؛ وهل كانت هذه الرواية من قراءات الروائية الايرانية، هذا اذا كانت تجيد العربية هي التي أقامت فترة في الاهواز الايرانية؟ وربما راودني سؤال آخر، هو: هل أصدر ناشر "بنات ايران"، وهو صاحب دار الكتاب العربي في بيروت، الرواية لانه لاحظ رواج رواية "بنات الرياض"، فأراد ان يغتنم الفرصة ليبيع؟ بل يمكن اثارة سؤال آخر أسبق من السؤال السابق، هو: هل أقدم المترجم عمر الايوبي على ترجمة "بنات ايران" لانه لاحظ رواج رواية "بنات الرياض" فاغتنم الفرصة لتلبية حاجة السوق الى هذا النوع من الكتابات، أم ان هناك سبباً آخر يكمن في حضور ايران في لبنان والمنطقة العربية في هذه المرحلة؟ أحد معاني البنيوية: التجريد والتعميم والنموذج، ونحن حين نجرد الروايتين من الملامح الخاصة بهما؛ كمكان الاحداث واسماء الشخصيات واللغة، حين نفعل هذا فهل نجد اختلافاً بينهما؟ ان كلا من "اوديب مالكا" و"هاملت" و"السراب" تسير في الفكرة نفسها: الارتباط بالأم وقتل الاب او من يحل محله. ولا اظن ان "بنات الرياض" و"بنات ايران" بعيدتان من حيث الخطوط العامة عن بعضهما: هموم البنات وحظوظهن العاثرة غالباً في مجتمع محافظ تقليدي، يتعلم فيه الرجل ولكنه يظل خاضعاً للعادات والتقاليد وللأهل، مجتمع على قدر كبير من التناقض. هل سنقرأ عما قليل رواية اسمها بنات فلسطين؟ ولا أدري ان كان كاتب ايراني ينجز الآن رواية عنوانها شباب ايران أسوة بما فعله كاتب سعودي حيث كتب: شباب الرياض، الاشياء تتشابه، وتتكرر. هامش: أتذكر كنفاني وأنا أقرأ "بنات ايران" تذكرت ايضاً غسان كنفاني تذكرت روايته عائد الى حيفا (1967)، وتذكرت مأساة الاسرة الفلسطينية التي كانت تقيم في مدينة حيفا، وغادرتها في العام 1948 بسبب الحرب. سيترك سعيد وزوجته صفية ابنهما خلدون، ولن يتمكنا من رؤيته الاّ في العام 1967، بعد حرب حزيران وفتح اسرائيل الحدود بين المناطق المحتلة في العام 1967، وما غدا دولة اسرائيل - أي المناطق المحتلة في العام 1948- وسيحاول الزوجان اعادة خلدون الذي غدا (دوف)، فلا يعود، فالابن كما يقول الشيوعيون لمن يربي. هل تذكرون مسرحية (برتولد بريخت): دائرة الطباشير القوقازية؟ هل تذكرون علام بناها؟ ستحتكم السيدتان، الأم التي ولدت والأم التي ربت، الى سيدنا سليمان، وسيرسم دائرة بالطباشير، ليكون الولد من نصيب الأم التي ربت، لانها كانت أحرص على الطفل من امه التي ولدت. وستكون الارض في مسرحية (بريخت) من نصيب الذين دافعوا عنها يوم احتلت، لا من نصيب اصحابها الذين هربوا وتركوها يوم اندلعت الحرب، وسيظل خلدون - دوف مع أمه اليهودية (ميريام) التي ربته، ولا يعود مع ابيه وأمه البيولوجيين. طبعاً لم يكن كنفاني ليقول ان دوف/ فلسطين غدت من حق اليهود، فهو يرى ان أهل فلسطين لم يتخلوا عنها في الحرب، ذلك ان الحرب لم تكن متكافئة، ولم يكن ثمة اخلاق فروسية في النزاع. هناك خديعة ومؤامرة وظلم غير مبرر. في "بنات ايران" تعطي الأم الولود أختها العاقر واحدة من بناتها، لكي تربيها ولا تشعر بالوحدة، تتنازل عن حب ورضا فهناك بنات غيرها، ولكن الأب يرفض التنازل عن ابنته، فيذهب من الاهواز الى طهران ويسترد ابنته، علماً انها تفضل البقاء مع خالتها/ أمها الجديدة. وأنا أقرأ "بنات ايران" قلت: أغيب عن واقعنا الفلسطيني اربع او خمس ساعات، فلا أرى الدم على شاشات التلفاز، وأنسى حصار غزة ولا احصي الشهداء والجرحى. دائماً أحاول فعل ذلك، ولكني اجدني دائماً اقارن بين ما لا يمسنا من قريب وبين ما نحن فيه، هل تذكرون قصة من أرادت ان تتوب فلقته مزروعاً في الدروب؟ نريد نسيان جرحنا لساعات، فيخرج الينا من بين السطور البعيدة.. البعيدة. عن صحيفة الايام الفلسطينية 25/5/2008