فلسطين المستقلة أولا الأمير الحسن بن طلال عاد مصطلح الخيار الأردني ليتصدر عناوين الأخبار من جديد. وقد فهم البعض هذا المصطلح باعتباره دعوة لعودة الأوضاع على جانبي نهر الأردن إلى ماكانت عليه قبل حرب67 وبالتالي عودة السيادة الأردنية كاملة على الضفة الغربية. غير أن هذا التصور لم يكن دقيقا. فلم يكن هناك في الواقع أي حائل قانوني أو سياسي يمنع إسرائيل من العمل على وضع هذا الخيار موضع التطبيق على الفور. فعلى الصعيد القانوني شكل قرار مجلس الأمن رقم242, والصادر في تشرين الثاني 1967, أساسا قانونيا لتسوية وفق هذا الخيار. وعلى الصعيد السياسي تمتع الأردن بمظلة عربية تمكنه من التفاوض غير المباشر للتوصل إلى تسوية على أساسه. غير أن رفض إسرائيل التخلي عن كامل الضفة الغربية ألغى عمليا هذا الخيار واختزله إلى مفهوم نظري غير قابل للتطبيق. الدليل على ذلك قيام إسرائيل بضم القدس فور احتلالها في حرب67 وإعلانها عاصمة أبدية موحدة لها, وبدء خطة منظمة لبناء مستعمرات استيطانية استهدفت تقطيع أوصال الضفة الغربية وتحويلها تدريجيا إلى جزر معزولة ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية بما في ذلك قرارات مجلس الأمن نفسه التي اعتبرت قرار ضم القدس باطلا وبناء المستعمرات عملا غير شرعي. ربما كان الخيار الأردني مطروحا على الصعيد النظري قبل حرب73 لكنه لم يعد كذلك في الواقع. فقد اعترفت القمة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني, وبدأت مصر تتجه نحو تسوية منفردة مع إسرائيل, وتواكب ذلك كله مع تصاعد المد الأصولي الإسلامي في المنطقة خاصة بعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران, وانهيار جبهة الصمود والتصدي فور اندلاع الحرب العراقية الإسرائيلية ودعم دول الخليج العربي للعراق خوفا من تصدير الثورة إليها. وكان من المتوقع أن يجنح الشعب الفلسطيني في زخم تلك التطورات إلى مفهوم لن يحك جلده غير ظفره. وهكذا بدأ عصر الانتفاضات الفلسطينية المتتالية التي لم تتوقف منذ87 والتي استهدفت قبل أي شيء آخر التأكيد على أن الشعب الفلسطيني موجود وله حقوق مشروعة غير قابلة للتصرف وليس من حق أحد أن يتحدث باسمه أو يقرر مصيره نيابة عنه. نتذكر جميعا تلك المحاولة التي جرت في الثمانينيات لاستكشاف أفق قيام دولة فيدرالية أو كونفيدرالية تجسد وحدة المصير بين ضفتي نهر الأردن, والتي لم تصمد طويلا بعد أن تبين أن توحيد شطرين مازال أحدهما يرزح تحت الاحتلال هو ضرب من العبث. لقد بات واضحا منذ ذلك الحين أن قضية التحرير تسبق الوحدة لكنها لا تصادر عليها. وحين أدرك أخي وشقيقي ومعلمي جلالة المغفور له الملك حسين أن خيار الوحدة ليس بديلا عن خيار التسوية رفض أن يصبح الخيار الأردني أداة لتعميق الهوة بين شعبين تفرقهما, رغم وحدة المصير, حساسيات تاريخية وأوضاع خارجية قاهرة لا سيطرة لأي منهما عليها. من هنا كان قراره التاريخي الحكيم والشجاع بقطع الصلات الإدارية والقانونية للمملكة مع الضفة الغربية عام1988. لسنا بحاجة للتأكيد على أن هذا القرار التاريخي لم يكن رفضا للوحدة بين شعبين شقيقين, وإنما كان صيانة لمستقبلهما المشترك من عبث العابثين وطمع الطامعين. فالوحدة, أيا كان شكلها الدستوري, لا تتحقق إلا بين كيانات مستقلة تتمتع بالسيادة الكاملة على ترابها الوطني ولا تجسدها إلا إرادة حرة لا شبهة فيها لإملاء أو ابتزاز. ومن الغريب أن يتحدث البعض من جديد عن خيار أردني بالتزامن مع وقوع انشقاق دموي داخل صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها. وبوسع أي شخص أن يدرك على الفور أن إعادة طرح الخيار الأردني في ظروف كهذه ليس أمرا عفويا أو حسن النية ومنزه الهوى والقصد. فمن الواضح أن أيادي عابثة تعمل جاهدة ليس فقط على توسيع الهوة بين شعبين شقيقين وإنما ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها تمهيدا لتصفية قضيتها النبيلة. وحسنا فعل جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حين أعلن رفضه القاطع لأي حديث عن الفيدرالية أو الكونفدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية, مؤكدا تمسكه بالسياسة التي رسمها جلالة والده العظيم, قاطعا بذلك الطريق على كافة المناورات التي لا تستهدف سوى تخريب العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني. لقد آن الأوان كي يدرك الجميع في كل مكان, بما في ذلك إسرائيل نفسها, أنه ليس بوسع أحد أن يتفاوض نيابة عن الفلسطينيين أو يحل محلهم في تقرير مصيرهم. وسيظل الشرق الأوسط والعالم بأسره يعيش تلك الحالة من الفوضى غير الخلاقة ما لم يتم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ومستقبله بنفسه. وفي هذه المرحلة بالغة الحساسية, يجب دق ناقوس الخطر, لأن عدم الالتزام بالقرارات والقوانين والشرعية الدولية, والعجز عن فرض احترامها على الجميع هو اهم أسباب ما نحن فيه اليوم. إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في عدم وجود شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه, كما تصر اسرائيل على الادعاء, ولكنها تكمن في غياب أفق لتسوية تقوم على اساس من العدالة والقانون. ولأن موازين القوة على الأرض تبدو مختلة تماما لصالح اسرائيل فلن يفضي ترك أمر التسوية لطرفي العلاقة المباشرين إلا إلى المزيد من القتل والدمار وضياع الوقت. فلا بديل عن تحرك من تقع عليهم مسؤولية تطبيق قواعد القانون الدولي. ولا حل لقضية الشرق الأوسط إلا بالرجوع للشرعية واحترام قواعد القانون الدولي التي تجسدها قرارات الأممالمتحدة. إن الحل القائم على دولتين مستقلتين ومتساويتين في الحقوق والواجبات السيادية هو اكثر من مجرد رؤية ولكنه الحل الذي قرره المجتمع الدولي منذ اكثر من نصف قرن, واقترحته اللجنة الدولية وأقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الشهير رقم181 لعام1947 والمعروف باسم قرار التقسيم, الذي صوت عليه أكثر من ثلثي الأعضاء بمن فيهم الولاياتالمتحدة نفسها. إن الخرائط المرفقة بقرار التقسيم هي موضع جدل. كذلك فإن الحل المستند اليه قد لا يكون واردا الآن أو في المستقبل القريب. يجب ألا ننسى أن الاخفاق في تطبيق الحلول المستندة الى القانون الدولي والشرعية الدولية هو الذي أوصلنا الى ما نحن فيه الآن, وليس من السهل أن نظل صامتين إزاء ما يجري للفلسطينيين الآن, خاصة ما يحدث عند المعابر. لذلك على الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية أن تنهض بواجباتها وتتحرك على الفور لإيجاد حل لهذه المأساة الإنسانية التي يعيشها اخواننا في فلسطين. انني أناشد العالم كي نتعاون جميعا لتخفيف المعاناة عن كل الفلسطينيين دون تمييز لنتجنب المزيد من الكوارث, ونتقدم في اتجاه البحث المشترك عن حل سياسي يعالج جوهر القضية على اساس الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة. وإذا كان البعض يتحدث الان عن امكانية إرسال قوات دولية لقطاع غزة, فلماذا لا تفكر الأممالمتحدة جديا في إرسال قوات دولية لكل الأراضي المحتلة بعد67 والتي يتعين وضعها تحت وصاية الأممالمتحدة لفترة محدودة, ثم الدعوة الى مؤتمر دولي شامل تحضره كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية للتوصل الى حل تشرف هذه القوات على تنفيذه؟! لا ينقص المجتمع الدولي القدرة على تخيل الحلول المبتكرة والقابلة للتطبيق. ما ينقصه هو غياب حسن النية والرغبة في الالتفاف حول قواعد العدل والانصاف. لا حل إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة ولن تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة إلا بتطبيق قواعد القانون الدولي. عن صحيفة القدسالفلسطينية 19/7/2007