فتح لقاء الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة بالعربية عبر برنامج بالعربي على جملة قضايا وعناوين ، أحاول في مقالي هذا استعراض ما تيسر منها بشكل مختصر وأرجوه مفيداً للجميع بما في ذلك الرفاق في الجبهة الديمقراطية وأبو خالد على وجه الخصوص .
وأبدأ أولاً بالقول أنني أعرف الرفيق نايف حواتمة بصفاته الايجابية والسلبية وهو رجل دمث وخلوق ومتزن على الصعيد الشخصي ولا تنقصه الشجاعة والإقدام على الصعيد السياسي ، كما لا تنقصه اللباقة والقدرة على التكيف مع أصعب المواقف والظروف ، وهو ذو ناطقة عربية سليمة ويحسد عليها ، كما أنه يتميز بطلاقة لسان قلما نجدها عند غيره من القيادات الفلسطينية ، وأنا احكم هنا من خلال متابعة لصيقة وليس من سماع أو منقول .
وفي الجانب الوطني كنت ولا زلت من مؤيدي وحدة اليسار وخاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية حتى لو كان أمينها العام نايف حواتمة على ما هناك من تحفظات معقولة عليه من الجبهة الشعبية وكادراتها . كما انه لا يمكن لهذه الوحدة أن تبقى معلقة على مشجب الاختلاف البسيط في البرنامج السياسي والمواقف الشخصية والحقيقة أنها بخلاف هذا ، ولان موضوعنا ليس وحدة اليسار، فسأكتفي هنا بالموقف الذي يقول : أن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة تفعيل دورها يتطلب تفعيل وإصلاح مكونها الرئيسي من الفصائل وليكن طليعة هؤلاء الجبهتين الشعبية والديمقراطية إذا أريد لهذه الأزمة أن تحل وأن يمضي مشروعنا الوطني قدما للأمام ، وهو الأمر الذي يرتب على الجميع وخصوصاً نايف حواتمة دورا أعلى ونهجاً آخر في مسائل يشكل مقالنا هذا وعاءً لأحدها .
إن اللقاء المذكور بين الأمين العام للجبهة الديمقراطية والسيدة جيزيل خوري كان ليمر مرور الكرام لولا آخر دقيقتين من اللقاء ،حيث كان السؤال الأخير مدهشاً والإجابة من نايف حواتمة أكثر إدهاشا . وقبل أن أتناول هذه القضية وما تشير إليه وما قصدناه لابد أن أعرج على عنوانين فرعيين بعجالة وبدون تفاصيل كثيرة .
الأول طبيعة العلاقة السورية الفلسطينية وخصوصا ما يتعلق منها بالشأن الفلسطيني والقومي العربي ، وفي هذا فان توضيحاً بهذا الشأن ربما يكون مفيداً لمن أراد الحق والحقيقة ولا تحكمه أغراض أو أهواء أو هواجس ، وهذا التوضيح يقول أنه برغم العلاقة الطيبة جداً التي تجمع حماس بسوريا نظاماً وجماهير إلا أن هذا لم يمنع أي كاتب فلسطيني أو مجرد مواطن من قول رأيه فيما جرى بغزة ، ومنها ما هو أشد قسوة على حماس من بيانات كتاب فتح في الداخل كما أن سوريا تحاذر إعلان موقف منحاز تجاه احد طرفي الصراع باتجاه تأييد الانقلاب الذي أقدمت عليه حماس أو العكس ، وهي لا تضع خطوطاً حمراء على مواقف الناس في هذا الشأن ولعل الجميع يعلم أن كل فصائل العمل الوطني متواجدة بسوريا بما فيها حركة فتح الأم ويقول الإخوة رأيهم فيما جرى بحرية ولعل حادثة مسجد الوسيم تظهر الأمر بجلاء ، حيث وقف مواطن فلسطيني قيل انه من حركة فتح ليقول لمشعل انك لا تمثل احد وانك لا تقول الصدق ولم يتم اعتقال الرجل أو توبيخه .
وهذا ينطبق على قول الرأي فيما يتعلق بالقضايا القومية العامة مثل الوحدة والعلاقات العربية العربية ومواجهة الأخطار الخارجية إلى غير هذا من المسائل التي نواجهها باستمرار .
أما فيما يتعلق بسياسة النظام الداخلية، فهناك خطوط حمراء وصفراء وغيرها من الألوان وهذا أمر مشترك بين كل الأنظمة العربية ولا تنفرد به سوريا ، لأن أمن النظام أولوية مطلقة هنا . والثاني هو أن كل الفصائل الموجودة على الأراضي السورية ومن بينها الجبهة الديمقراطية تعمل بحرية ومكاتبها لا تغلق أبوابها ، وتمارس نشاطها الداخلي كما تريد ، وفي النشاط الجماهيري خارج مقراتها أو النشاطات الكبيرة يتوجب تبليغ الضابطة الفدائية واخذ موافقتها .
والجبهة الديمقراطية التي تقيم على الأراضي السورية من 38 سنة تقريباً لم تواجه أزمة مع سوريا أو النظام السوري تؤدي إلى إغلاق مكاتبها أو اعتقال قيادتها أو طردها من الأراضي السورية وغير ذلك من الأمور التي تنتج عن خلافات حادة وغير قابلة للحل ، وبالعموم فان الرفاق في الجبهة الديمقراطية يعملون بحرية في سوريا ، وليس لهم مشاكل ملفتة مع النظام أو أجهزة الأمن . وشيء آخر لابد أن أذكره قبل أن أتناول اللقاء المقصود بدروسه في هذا المقال ،وأشير إلى أن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هي الفصيل الرئيسي الوحيد من فصائل منظمة التحرير التي تتبنى الكفاح المسلح وليست مدرجة على لوائح الإرهاب الأمريكية أو الأوروبية ، وذلك لسببين الأول أن الرفاق في الجبهة الديمقراطية يعلنون وبوضوح أنهم يتبنون فقط القتال ضد العدو على الأراضي التي تم احتلالها العام 1967 ، وهم في هذا يخالفون سياستهم القديمة على هذا الصعيد والتي أنتجت عمليات نوعية أدمت الإسرائيليين ومثلت علامات مضيئة في تاريخ الجبهة والمقاومة عموماً .
والثاني أن الجبهة الديمقراطية تتبنى حلاً يقوم على مبدأ الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 مع حق العودة والقدس كحل نهائي للقضية وليس كهدف مرحلي كما كانت تتبناه سابقاً . إذن لا مشاكل أيضاً للجبهة على صعيد دولي ، ومن هنا تأتي الدهشة من السؤال والجواب واليكم التالي : تسأل السيدة جيزيل خوري وهي المعروفة بعدائها لسوريا قبل وبعد مقتل زوجها المرحوم سمير قصير الكاتب والصحفي المعروف واتهامها سوريا تصريحاً وتلميحاً بالوقوف وراء الاغتيال ، ولا تترك فرصة إلا وانتهزتها للغمز من قناة سوريا ، تسأل الرفيق حواتمة بابتسامة موحية : سيد حواتمة أين تقيم اليوم ؟ وهل ستعود إلى سوريا ؟ وقد كررت السؤال الأخير أكثر من مرة والرجل يجيب بشكل غريب وابتسامتها تتسع ، وكأنه لم يلحظ ذلك فبماذا وكيف رد الرفيق أبو خالد على المذيعة الناجحة ؟ لقد بدأ رده بأنه يقيم في أكثر من مكان وأنه مكث عشرة أعوام متنقلاً بين بلدان المغرب العربي ، وأنه لا مكان محدد له وأن هذه مرتبطة بظروف عمل الجبهة إلى آخر ما قاله وهي تكرر السؤال وهو لا يجيب حتى اكتملت ضحكتها على الآخر فتركته بشكره على اللقاء !!!
والآن أسأل وكل الناس تعرف ما سأقول لماذا يرد الرفيق الأمين العام للجبهة الديمقراطية بهذا الشكل المراوغ على المذيعة والكل يعرف أن مكان إقامته الدائمة دمشق ، وان مكتب الجبهة الرئيسي بدمشق ( منطقة الازبكية ) ، ويستطيع أي مواطن فلسطيني أن يذهب ويرى الرفيق حواتمة ، كما أن بيته وإقامته الدائمة أيضاً بدمشق ؟؟؟؟؟؟ وما قصة المغرب العربي هذه ؟؟
لماذا ولا مشكلة بين الجبهة وسوريا والمذيعة لا تسأل ببراءة أو قاصدة خيراً لنا ولشعبنا ؟؟ إن ما أريده هنا ليس الموقف السوري تجاه أي قائد فلسطيني أو فصيل فلسطيني فهذه مرت بعشرات الظروف منها الجيد ومنها السيئ ولا علاقات بدون توترات حتى داخل البيت الواحد وليس المقصود هنا الدفاع عن سوريا وحسن معاملتها للمقاومة خصوصاً ، فهذا أيضاً ليس مجاله هنا ، لكن ما يهمنا هو سلوك قادتنا تجاهنا ومصداقيتهم أمام شعبهم وأسلوبهم الذي يجب أن يكون موضع ثقة كبيرة ، وخاصة بالنسبة للرفيق حواتمة الذي نلقي عليه اليوم مسؤولية جسيمة في أمرين : الأول العمل على وحدة اليسار ومغادرة عقلية الذات والاستئثار ، والثاني العمل على حل الخلاف الفلسطيني ، وهو صاحب الباع الطويل في اجتراح الأفكار والطرق للالتفاف على المعضلات وعلاجها .
إن بحثاً عميقا ووافيا للسبب الرئيس في هزائمنا المتكررة ، وشعبنا على الخصوص رغم كل التضحيات ، ورغم توفر الإمكانيات ، قد خرج باستنتاج هام يقول : أن السبب يعود لعدم توفر قيادة حكيمة لهذه الأمة ولشعبنا الفلسطيني طوال تاريخ أزمته التي تمتد لقرن كامل ،وأنه حان الوقت للتفكير في هذا الأمر ، وليس صعباً أن نقول الآن ما هي مواصفات القيادة التي تحقق لنا الانتصار وتقود شعب عظيم يقدم كل شيء من أجل قضيته وأهمها الصدق مع شعبه ، لكن الأهم أن نجد من يلتزم بهذه المواصفات ، وليعذرني الرفاق والأصدقاء في الجبهة الديمقراطية فقد رأيت من واجبي أن أسجل نقدي علناً وفي مقال .. والمصلحة العامة الفلسطينية من وراء القصد ، وأكون ممتناً لو تلقيت رداً توضيحياً فربما أكون مخطئاً وجل من لا يخطىء .