حفلة ابتزاز في مزارع شبعا عبدالوهاب بدرخان ما أن لفظت كوندوليزا رايس اسم مزارع شبعا حتي قفزت نظرية المؤامرة مجدداً إلي وسط حلبة الصراع السياسي في لبنان. تعلم الولاياتالمتحدة المفاعيل السيئة التي باتت تترتب علي أي موقف يصدر عنها، لكنها عاجزة عن أن تغير أو تتغير. لا عجب إذاً في أن تزداد تعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة بعد زيارة رايس لبيروت. ولا يعني حل قضية مزارع شبعا، في نظر الأمريكيين والإسرائيليين، سوي أنه سيساهم في حل الجناح العسكري ل حزب الله ، وبالتالي إنهاء المقاومة مع انتهاء الاحتلال للأراضي اللبنانية. وبديهي أن هذا يتناقض مع حسابات طهران، فبعد التصعيد الإسرائيلي والضغط لحمل إدارة جورج بوش علي حسم أمرها بضرب إيران لابد أن يقاوم الإيرانيون أي تغيير في الوضع ليبقي حزب الله متمتعاً بحرية الحركة للرد علي إسرائيل في حال حصول الضربة. لا عجب إذاً في أن تزداد تعقيدات تشكيل الحكومة اللبنانية، وهو البند الثاني في اتفاق الدوحة، لأن عودة الدولة قد تعرض الحزب للمساءلة بشأن مخططاته وتحركاته. نال اسم مزارع شبعا شهرته منذ عام 2000 عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، إلا أنها أبقت قواتها في المزارع، فلم يشملها ترسيم الحدود الذي تولته الأممالمتحدة. كانت الذريعة أن المزارع احتلت في حرب 1967 واعتبرت أرضاً سورية لأن إسرائيليين غنموها من السوريين ولن يخلوها إلا بموجب اتفاق سلام. لكن الأرض لبنانية وتتداخل أطرافها مع الأراضي السورية، ولم يسبق أن جري ترسيم حدود بين لبنان وسوريا، كما لم يكن هناك نزاع بينهما عليها. بعد ذلك حاول لبنان عبثاً حل الإشكال، سواء بتوفير خرائط أو بالسعي لدي دمشق للاعترف ب لبنانية المزارع، وهو ما أكده مسؤولون سوريون مراراً، بل قالوا إن دمشق وجهت رسالة بهذا المعني إلي الأمانة العامة للأمم المتحدة، ولا يبدو أن هذه الرسالة شكلت سنداً كافياً للمنظمة الدولية. ولاشك أن ربط حل مشكلة المزارع بنزع سلاح حزب الله لم يكن ليشجع سوريا علي الانخراط جدياً في العملية. وبعد انسحابها من لبنان في نيسان أبريل 2005 ازدادت سوريا اعتماداً علي حزب الله لتكتيكات الداخل والخارج في آن. بعد ذلك الانسحاب، ولأسباب عديدة، طرحت الحكومة اللبنانية مطلب ترسيم الحدود، وهو ما تم التوافق عليه في الحوار الوطني الذي سبق حرب صيف 2006، قبل تلك الحرب كانت الشكوي تركز علي تهريب السلاح ودخول عناصر الفصائل الفلسطينية بأسلحتهم عبر الحدود. في البدء اغتاظت دمشق من إثارة مسألة الترسيم، ثم أرتارت التعامل معها ببرود، واعتبر رئيس الوزراء السوري في مقابلة صحفية أن الترسيم يمكن أن يبدأ من الشمال، مستبعداً إمكان انجازه في مزارع شبعا لأن الجانب السوري لن يشارك فيه بسبب وقوع المنطقة تحت الاحتلال وليس هناك اتفاق بعد بين سوريا وإسرائيل. كان القرار الدولي الرقم 1701 الذي أنهي حرب 2006 أشار في نصه إلي ضرورة حل مشكلة مزارع شبعا. وترك الأمر للأمم المتحدة التي أنجزت معظم الأعمال الطوبوغرافية استعداداً للتحرك متي تأمنت الظروف السياسية المناسبة. كان الهدف، ولايزال، مساعدة الدولة اللبنانية علي نزع سلاح كل الميليشيات وبسط سلطتها علي كل أراضيها. وبما أن استمرار احتلال مزارع شبعا استدعي استمرار المقاومة من أجل تحريرها فإن تحريرها بشكل أو بآخر- دبلوماسياً- سيبدد ذريعة استمرار المقاومة. وهكذا بدا أن الحل الممكن، في المدي المنظور، يتمثل بنقل المزارع إلي الوصاية الدولية فلا تبقي تحت الاحتلال الإسرائيلي. لكن المسألة لم تبدُ عملياً علي هذه البساطة، فإسرائيل التي أعلنت استعدادها للتجاوب مع الاقتراح تريد أن تتأكد مما سيكون عليهالوضع في المزارع بعد انسحابها. لذلك فهي تفضل أن يتم ذلك بمفاوضات مع لبنان تنتهي بتوقيع اتفاق. لكن اللبنانيين متوافقون مبدئياً علي عدم توقيع اتفاق مع إسرائيل إلا بعد توصل سوريا وإسرائيل إلي اتفاق سلام. وفي أي حال، لم يتأخر حزب الله في إعلان موقفة من اقتراح الوصاية الدولية. فهو لا يرفضه ولا يعتبره كافياً لإنهاء المقاومة. لم يكن من الصعب اكتشاف الثغرة في ذلك الاقتراح، إذ أن الوصاية لا تعني عودة المزارع إلي الدولة اللبنانية، ولا تعني أنها ستكون أرضاً متاحة للبنانيين ومفتوحة أمامهم شأنها شأن المناطق الأخري المتاخمة لها. ثم إن الوصاية قد تعني قانونياً أو وفقاً للشروط المتفق عليها إمكان عودة الاحتلال. يضاف إلي ذلك أن ترسيم الحدود في المزارع يحتاج إلي موافقة رسمية موثقة من جانب سوريا وإسرائيل، وهو ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة بقوله إن الأمر يتطلب إرادة سياسية من الأطراف المعنية كافة. وهكذا فإن الدولة اللبنانية لا تجد تعاوناً بل تتعرض عملياً لابتزاز دائم من جانب تلك الأطراف. فالولاياتالمتحدة تشجعها علي الحل وعينها علي إيران، كما أنها تؤيد شروط إسرائيل. وسوريا تستخدم المزارع- واستمرار احتلالها- كجزء من الغطاء الذي توفره ل حزب الله ولوظيفته منذ التحرير في العام 2000م، وإسرائيل تريد حمل لبنان علي التفاوض معها، مع علمها أنه يستبعد الآن هذا الخيار. و حزب الله استبق الحوار الوطني المقبل مؤكداً أن المقاومة باقية في كل الظروف. عن صحيفة الراية القطرية 30/6/2008