روبرت موغابي والنفاق الاميركي البريطاني!! محمد خرّوب في شكل لافت اقرب الى النفاق، ان لم يكن النفاق بعينه، تتصدر الولاياتالمتحدة حملة التشويه والتحريض الشرسة، على الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي، بعد ان اصر الاخير على اجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، رغم انسحاب منافسه زعيم الحركة الديمقراطية للتغيير المعارضة مورجان تسفانجيراي. للرأي الاميركي اهميته في المشهد الدولي، نظراً لما تمثله واشنطن من ثقل سياسي ودبلوماسي واقتصادي، وخصوصاً عسكري كعصا وهراوة غليظتين تبطش بهما من تشاء وتلوح بهما لمن عصا، بعد أن لم تعد لديها وسائل ومقاربات اخرى، غير التهديد باستخدام ترسانتها العسكرية الاضخم والاقوى عبر التاريخ، وبعد ان فقدت صدقيتها وهيبتها وتبخر ما تبقى لها من رصيد اخلاقي وقيمي، وخصوصاً في عهد الرئيس الحالي جورج بوش، الذي جلبت سياساته المتغطرسة والحمقاء الكراهية للولايات المتحدة، والتي اظهرت في عهده كل انواع الازدراء والاستخفاف بالقانون الدولي وشرعة حقوق الانسان واتفاقية جنيف الرابعة، واتخذت مواقف استفزازية ازاء محاولات المجتمع الدولي ضبط ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تهدد الكرة الارضية وسكانها، كذلك في رفض المصادقة على معاهدة روما الخاصة بانشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بملاحقة ومعاقبة كل من يرتكبون جرائم ضد الانسانية وحروب ابادة جماعية اياً كانت جنسياتهم ووظائفهم. بل ان واشنطن بوش لم تكتف برفض الانضمام لبروتوكول المحكمة وانما سعت الى توقيع اتفاقات ثنائية مع دول عديدة في العالم من دول العالم الثالث، وخصوصاً بعض الدول العربية، تحت طائلة التهديد وحجب المساعدات المالية والعسكرية والدعم السياسي والدبلوماسي، لمنع تطبيق نصوص هذه المحكمة على الاميركيين وبخاصة العسكريين منهم.. الولاياتالمتحدة (ودائما بريطانيا) تقود حملة تحريض ضد روبرت موغابي، بهدف مقاطعته عبر عدم الاعتراف بشرعية انتخابات 27 حزيران الجاري، ما يعني استدراج قرارات من قبل مجلس الامن، لاعلان عدم اعترافها بموغابي رئيساً. واذ تحتاج الامور في اروقة مجلس الامن (حتى في ظل قناعات بأنه والأمم المتحدة اداة طيعة في يد واشنطن)، الى مزيد من الوقت والمناورات الدبلوماسية، فإن جهود ادارة بوش تركزت في شرم الشيخ حيث تلتئم اليوم قمة الاتحاد الافريقي، والتي ستكون الاوضاع في زيمبابوي على رأس جدول اعمالها.. المثير في الحملة الاميركية على موغابي انها اختارت افريقيا بالذات لتحريضها على الرجل، الذي يمكن وصفه بلا ادنى تردد او خشية ان نظامه الاكثر شرعية مقارنة بمعظم تلك الانظمة التي يراد منها الان ان تضفي شرعية على موغابي او تسحبها منه، فالرجل هو الذي قاد تحرير بلاده من نظام التفرقة العنصرية، وهو ايضاً الذي تمتع طوال عقدين ونيف بدعم شعبي واضح، بدأ بالتراجع والهبوط بعد أن رفض الثائر والمحرر والقائد، ان يغير من اساليب حكمه وان يوقف الفساد والهدر والقمع في بلاد وصل التضخم فيها الى ارقام قياسية، وكادت المجاعة والبطالة ان تقضيا على ما تبقى من رصيد لهذا الرجل، الذي اصم اذنيه واغلق عينيه وغاب كلياً عن السمع والنظر لمواجهة تدهور الاوضاع في بلاده، او الاعتراف بشرعية المعارضة وحقها في الدفاع عن برنامجها ومنافسة الحزب الحاكم عبر الاحتكام لصندوق الاقتراع.. وصل نظام موغابي الى مأزقه ولم يجد غير القمع وسيلة لحماية الثورة التي أكلت ابناءها ونكلت بمن تبقى منها وارتكب الرئيس الثائر خطيئته الكبرى، عندما قال في صريح العبارة ان المعارضة لن تتسلم الحكم ما دام هو على قيد الحياة، وبرر ذلك على الطريقة العربية المعروفة، بل على طريقة الطغاة عبر التاريخ بالقول نحن الذين حررنا البلاد بما يعني انه سيواصل - والزمرة المحيطة به كما في عالمنا العربي تماماً ؟ الاستفادة من ريع النضال حتى آخر لقمة في فم الفقراء وحتى آخر درهم في جيب البؤساء. ربما تكون للاتحاد الافريقي الذي يواصل حضوره في المشهد الدولي منذ اربعة عقود ونيف (بعد ان كان اسمه منظمة الوحدة الافريقية) ويواظب قادته على عقد قمتهم السنوية بلا مقاطعة (نسبياً) ويصدرون البيانات المترعة بلغة خشبية وعبارات اقرب الى الشعارات والانشاء، منها الى آليات عمل وجداول زمنية او قرارات ملزمة، نقول: ربما يكون للاتحاد ميزة تسجل له وهو انه وضع في ميثاقه منذ تأسيس منظمة الوحدة الافريقية في ستينات القرن الماضي في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، بنداً يقول بعدم الاعتراف بأي تغيير في الحدود التي رسمها الاستعمار في القارة قبل استقلال دولها وهو ما جنبها الكثير من المآسي والحروب.. رغم اندلاع بعض الحروب على خلفية اثنية او لغوية خلفتها الحدود اصلاً، وربما يكرسون الآن أَفْرَقة الخلافات بدلا من الارتهان للتدخلات والاملاءات والغطرسة الخارجية. الآن، وبعد ان واصل عمداء افريقيا حكمهم لبلاد عديدة بدون انتخابات او حتى اذا ما جرت انتخابات، فانها تكون اقرب الى الاستفتاء منها الى انتخابات تعددية حيث لا منافسين ولا معارك او حملات انتخابية، على عكس حال موغابي اقله في الانتخابات الاخيرة حيث نافسه تسفانجيراي وفاز عليه في الجولة الاولى وان بنسبة لا تسمح له باجتياز نقطة الحسم، فان افريقيا التي تستنجد (...) بها ادارة بوش و10 دواننغ ستريت (جوردن براون الذي يرفع عقيرته محتجاً ومحرضاً) لا تستطيع القاء المواعظ والدروس والمحاضرات على موغابي، الذي يسعى كثيرون الى منعه من حضور قمة شرم الشيخ لكنه سيحضر وسيظهر بملابسه المزركشة وعصاه المعروفة، وربما يلّوح بها في وجه الذين يحاولون احراجه او اخراجه، فلديه الكثير ليقوله وحسناً يفعل قادة دول الاتحاد الافريقي، عندما يصرّون على رفضهم لاملاءات وضغوط بوش وبراون، ويطرحون مقاربة وساطة ترعى حواراً بين موغابي ومعارضيه لحل الازمة تماماً كما حدث في كينيا قبل اشهر معدودات.. علّ عرب اليوم يستخلصون العبرة من حكمة الافارقة.. عن صحيفة الرأي الاردنية 30/6/2008