النّهضة والوصفات السّحريّة!! أحمد عبدالرحمن العرفج تذهب بنا الطّرق في شؤون الأمة العربية والإسلاميّة مذاهب قددا، ويسلمنا الطّريق الواحد فيها إلى طرق فرعية؛ تتفرّع هي بذاتها إلى متاهات أكثر تعقيدًا من غيرها، وهذا المظهر المتشظّي لا استثناء فيه، فخذ ما شئت من القضايا فلن تربح منها غير الاختلاف غير المثمر، والتوزّع غير الخلّاق، ورغم أن الحال على ما هو عليه، لكنّنا قد لا نجد بأساً من الكتابة عن أمور (عربو إسلاميّة) من قبيل إلقاء الحجارة في الغدير. ومن ذلك أمر النّهضة العربيّة الإسلاميّة؛ الذي ننشغل به من دون انقطاع، لنكتشف أنّه أمر غير مجمع عليه أيضاً، فبعض منّا يرى أنّنا لسنا بحاجة إلى أيّة نهضة، فنحن نملك اليوم حضارة رفيعة تقارع حضارة الغرب، وما تخلّفنا عنه إلا لقدراته العسكريّة المسيطرة، ولذلك لا نجد أنفسنا بحاجة إلى أيّة نهضة، فهي لدينا وما علينا سوى تشكيل الجماعات لمناهضة شوكة الحضارة الغربيّة كلّ بحسب رصيده من الانفعال، ومخزونه من الدّيماجوجيّة، وهذا أمر مشهود لنا فيه البراعة، غير مُنافسين عليه، وإن أردت شاهدًا فابدأ بالشّعر ديوان العرب، وعرّج على (الخُطب الحماسيّة)، وخذ مقعدك أمام الفضائيّات في عصرنا الحديث، فستجد أنّنا لا نخلو من ذوي القلوب الرحيمة الذين يستنهضون الهمم (بالكلام) ولا يعدمون في خطابهم التّوق إلى إنقاذ الغربيّين من حضارتهم العصريّة الماديّة الفاسدة!! إنّ النهضة في محضنها القاموسي تعني الوثوب من قعدتك، والتحرّك من حال ثباتك، وعليك لتفعل ذلك أن تعترف لنفسك بأنك قاعد بين النّاهضين، ثم تولّد لديك إرادة النهوض، فهل بلغنا عربًا ومسلمين هذا المبلغ؟ لن ينتظر الواقع إجابة لهذا السّؤال الحارق، وإن كانت الغيبوبة تحجب عن كثير منّا (مشاهدة) الإجابة إن كانوا من ذوي البصيرة أو حتّى البصر، وإنّه أمر أخاف القول بأنّنا بتنا نفتقده أيضًا! من هنا يقول أحد الأصدقاء: (إنّ النهضة رحلة تقطعها الأمّة، عندما تقرّر أنّ عليها الانتقال من مكان التّخلّف الذي تجلس فيه، ولن تقطع الأمّة أيّة رحلة للنّهوض إلا وهي مجموعة يدير أمورها أفضل من هم لديها، ولكي يتحقّق ذلك لابد من أسلوب مستقرّ يفرز القادرين على إدارة شأن النّهوض!). لقد فهم الغربيّون منذ زمن بعيد أنّ النّهضة جهد جماعي شاق، يحتاج فوق الإدارة إلى تواصل عمل منظّم؛ يقوم به أناس يستمتعون خلال رحلة النّهوض بحياة حرّة آمنة. بينما مازال البعض منّا يظنّ أنّ النّهضة مشروع تتكفّل بإنجازه حكومة موهوبة، الأمر الذي جعل المواطن لا يكلّف نفسه بذل أيّ جهد، وما عليه إلا أن يحلم في مقابل ما يلزم من الهتاف والتّصفيق، مريحًا همّه في قائم الاتّكال وحائط التّواكل. فوق ذلك؛ هناك من يظنّ أنّ النّهضة كامنة في وصفة من الوصفات السّحريّة، فهي إمّا عودة إلى تعاليم دين في شأن فهمها، وإمّا راية عروبة تُرفع وسط أناشيد الحماسة وأغاني الانتصار، فالمسلم والعربي (عندهم) مخلوق جدير بالنّهضة من دون معاناة! إنّه لا الدّين ولا القوميّة يمكن أن تسعف المتخلّفين، فالإيمان وكذلك الانتماء إلى أمّة أمران قد يكونان حافزًا للتّشجيع على النّهوض من القعود، ولكن أيًّا منهما لا يملك أنّ يكون هو (النّهضة)! عن صحيفة المدينة السعودية 8/9/2007