جزائر ما بعد الانتخابات خالد السرجاني أعلنت نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية، ويبدو من هذه النتائج التي أسفرت عن تقدم أحزاب الكتلة الرئاسية، بما يؤهلها لأن تشكل الوزارة المقبلة، أنها لن تغير شيئاً في الواقع الجزائري بما يعني أن أسلوب الحكم واتجاهاته وانحيازاته ستظل كما هي من دون تغيير. والحاصل إن الفائز الوحيد في هذه الانتخابات هو الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك على أكثر من صعيد، فمن جهة فاز التحالف الرئاسي بأغلبية مقاعد البرلمان، ومن جهة ثانية فان خسارة حزب جبهة التحرير الوطني لستة وثلاثين مقعداً يحرر الرئيس من أية مخاوف لاستقواء هذه الجبهة على النحو الذي حدث من قبل مع أمينها العام السابق علي بن فليس، الذي رشح نفسه في مواجهة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2003. ومن جهة ثالثة فان الطريق أصبح ممهداً وفقاً لتشكيلة البرلمان الحالية أمام الرئيس لتعديل الدستور الجزائري بما يسمح له بالترشيح لولاية ثالثة. يضاف إلى ذلك إن نتائج الانتخابات وسعت من القاعدة السياسية للرئيس على اعتبار أنها جاءت بحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي كان مقاطعاً للانتخابات السابقة بما يعنى إن الامازيغ قد شاركوا في هذا البرلمان بعد غيابهم عن البرلمان السابق، وفى حالة مشاركة هذا الحزب في الحكومة المقبلة. كما هو متوقع، فان القاعدة السياسية للنظام تكون قد اتسعت بما يوحي بتقدم سياسي قد تحقق وبما يبعد تفسيرات وتأويلات ترى عكس ذلك. وكل ذلك يحسب في النهاية لصالح الرئيس الذي استطاع خلال ولايته الأولى وما انقضى من ولايته الثانية إن يجعل من نفسه ومؤسسته محور النظام السياسي ومركز العملية السياسية. وخلاصة ما تم في هذا الاستحقاق السياسي هو أن النظام الجزائري استمر على نفس البنية التي يتكون منها من دون حدوث أي تعديلات حتى ولو طفيفة. وهذه البنية تقوم على تمثل كل التيارات السياسية الجزائرية من دون إن تمثل هذه التيارات بصورة فعلية ما عدا فقط التيار الوطني المسيطر على الدولة منذ الاستقلال وحتى الآن. إما بالنسبة للتيارين الآخرين فقد قبل النظام بظهر هوامشهما من دون السماح للممثلين الرئيسيين الحقيقيين لهما بالتمثل الحقيقي داخل البرلمان. ففيما يتعلق بالتيار الأمازيغي العلماني الحقيقي الذي يمثل الطريق الثالث بين الحكومة وبين التيار الديني فقد غاب عن البرلمانين الحالي والسابق ممثلاً في حزب «جبهة القوى الاشتراكية» في الوقت الذي أصبح حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» ممثلاً في البرلمان. لكنه يختلف عن جبهة القوى الاشتراكية في أمرين، الأول انه لم يتخل عن طابعه الأقلوي الأمازيغي، والثاني هو انه موال بشدة للحكومة خاصة فيما يتعلق بمواجهتها للتيار الأصولي بما جعل منه حزباً استئصالياً بحق. وبالتالي غاب متن التيار العلماني وبرز الهامش وهو ما يتجلى في الأحزاب الأخرى العلمانية التي أصبحت ممثلة في البرلمان الجديد. فوفقاً لنتائج الانتخابات أصبحت هناك أحزاب علمانية كثيرة ممثلة في البرلمان غير التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية نذكر منها: «الأحرار» و«العمال» و«الجبهة الوطنية الجزائرية» و«الحركة الوطنية من أجل الطبيعة والتنمية» و«الحركة من أجل الشبيبة والديمقراطية» و«التحالف الوطني الجمهوري» و«حركة الوفاق الوطني» و«التجديد الجزائري». و«حركة الانفتاح» و«الجبهة الوطنية للأحرار من أجل الوئام»، و«عهد 54» و«الوطني للتضامن والتنمية» و«الحركة الوطنية للأمل» و«التجمع الوطني الجمهوري» و«التجمع الجزائري» و«الجبهة الوطنية الديمقراطية» و«الحركة الديمقراطية والاجتماعية». لكن كل هذه الأحزاب مجتمعة لا يمكنها أن تسد الفراغ الذي سيسببه غياب جبهة القوى الاشتراكية عن البرلمان. وعلى الجانب الآخر وعلى الرغم من التمثيل القوي لأحزاب تحسب على التيار الديني الجزائري إلا إن غياب الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو على الأقل عدم مشاركة رموزها ولو بصورة شخصية وفردية في هذه الانتخابات يمثل عائقاً مهماً أمام ما تطلقه الحكومة حول الواقع الجديد التي دشنته الانتخابات الأخيرة لأن عدم رضاء تيار سياسي كبير واستبعاد ممثليه عن البرلمان وعن المشاركة السياسية يمكن إن يزيل الشرعية عن البرلمان الجديد. فإذا كانت هناك أحزاب إسلامية ممثلة منها حركة مجتمع السلم (حمس) الممثلة في الحكومة والمتوقع لها إن تمثل في الحكومة المقبلة وحركة الإصلاح التي تم تدجينها لصالح النظام بعد استبعاد عبدالله جاب الله منها والنهضة التي تم تدجينها في الانتخابات السابقة فكلها لا يجب الإنقاذ أو رموزها المستبعدين من الترشيح في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الجزائر. وإذا كان عدد من المحللين الجزائريين في معرض حديثهم عن الانتخابات الأخيرة وانتقاداتهم له ألمحوا إلى ضرورة صدور قانون جديد للأحزاب يسمح بظهور أحزاب حقيقية كبديل عن أحزاب شاركت ومثلت لكنها لا تملك برنامجاً أو رؤية حول مستقبل الجزائر، فان كل هذا لا يعني حل الإشكالية الحالية، فقانون الأحزاب وما سيتمخض عنه من أحزاب جديدة لن تؤتى ثماره إلا في أول استحقاق انتخابي مقبل بما يعني استمرار الوضع الحالي المتمثل في التوازن السياسي الهش غير الحقيقي وغير المعبر عن الخريطة السياسية الجزائرية. وفى النهاية فان صدور مثل هذا القانون كان يجب إن يصدر في مرحلة ما قبل الانتخابات وليس بعدها وهذا يعنى إن النظام الحاكم كان يريد استمرار الوضع القائم بتوازناته لفترة من الوقت من أجل أهداف محددة لعل في مقدمتها ما تمخضت عنه الانتخابات من نتائج تمهد بحق لتعديل الدستور من أجل السماح للرئيس بالاستمرار في الحكم بعد نهاية ولايته الثانية. خاصة إن ما بدا من سلوك للحكم الجزائري في المراحل السابقة يؤكد انه لا يسعى بأي صورة من الصور إلى استيعاب القوى المعارضة داخل آليات الحكم وإنما هو يطبق سياسة خلق أمر واقع جديد يؤدي إلى تجاوز هذه المعارضة بما يجعل منها ماضياً وتاريخاً ليس له علاقة بالواقع أو المستقبل. فهل ينجح النظام في استراتيجيته هذه أم إن هذه الأحزاب والقوى السياسية ستثبت أنها عصية على الاستبعاد والتهميش لأن لديها وجود حقيقي في الشارع الجزائري وليست كرتونية أو ورقية. البيان الاماراتية 2/6/2007