أطلقت مجموعة شبّان مصريين (فكرة) جديرة بالتنويه والتعميم، ملخصها: تبادل الكتب. تسلّمت رسالة إلكترونية من المجموعة، حول الفكرة، تقول: إن المعرفة لا يجوز احتكارها حتي علي الصعيد الفردي.. أي علي القارئ أن يحمل مجموعة الكتب الخاصة به ويذهب بها إلي المعرض/ المهرجان الذي أقيم خصيصاً، في القاهرة، لتبادل الكتب أو شرائها وبيعها، من كل حسب مكتبته لكل حسب حاجته. الفكرة بسيطة جداً، تقول الرسالة، لكنها عملية علي صعيد ترويج المعرفة، عبر الكتاب، وثمة موقع (دار الكتب) الإلكتروني، علي النت، يتابع الفكرة وتطورها والحض علي ترويجها. ثم استلمت رسالة إلكترونية ثانية تقول إن الفكرة وجدت صدي طيباً لدي المسؤولين عن مكتبة الاسكندرية المرموقة، التي سترعي مرحلة ثانية من عملية التبادل، في الأيام القريبة. فكرة تبادل الكتب، ليست جديدة، تماماً، فتاريخ المعرفة البشرية قام ويقوم وسيستمر عبر التبادل الثقافي بين مفكري وفناني الأمم مهما تباعدت بهم المدن وباعدت بينهم القارات. الكتب، كانت وما زالت، الناقل العملي والوسيط الناجح لتبادل الثقافات الإنسانية، بينما لعبت الترجمة بين اللغات دوراً أساسياً لتقريب وجهات النظر وتثقيف القراء واطلاع الكتّاب علي ما يستجد من إبداعات عبر الكرة الأرضية، واليوم تتولي الشبكة العنكبوتية نقل الكتب، مجاناً أو مقابل ثمن، فعندما سألت الكاتب الصديق عبد الله صخي عن السبب في خلو شقته من الكتب، أجاب: رغم أن تنقلي الكثير وتغيير سكني أحد أسباب عدم تكوين مكتبة ورقية في سكني، إلا أن حاسوبي يحوي علي مكتبة إلكترونية تضم ثلاثة آلاف كتاب! (تبادل الكتب) ليس تبادلاَ سلعياً محضاً، إنه نوع من القراءة علي الآخرين، قراءة تقترح أفكاراً جديدة ووجهات نظر تضيف إلي القارئ الذي حمل كتباً جديدة مقابل كتبه القديمة التي قرأها، وعياً جديداً وإحساساً مختلفاً بطعم الحياة علي شكل أفكار. (في عام 1865 خطرت علي بال لفّاف التبغ والشاعر الكوبي ساترنينو مارتينيس فكرة إصدار صحيفة لعمال صناعة السيكار تنشر مقالات في العلوم والآداب والتاريخ والقصص القصيرة، إلي جانب المقالات السياسية، لكن نسبة الأمية التي كانت متفشية بين العمال (15 في المئة) كانت عائقاً أمام القراءة، ولإزالة العائق اتفق مارتينيس مع مدير ثانوية علي أن يتولي الطلاب قراءة الصحيفة علي العمال، وسرعان ما حذت مصانع أخري حذوعمال ذاك المصنع، حتي أصدر حاكم كوبا قراراً بمنع استمرار التجربة بحجة أنها تشغل العمال عن العمل (تاريخ القراءة - آلبرتو مانغويل، ترجمة سامي شمعون). الفائدة والضرر أمران نسبيان علي ضوء الجهة المستفيدة من الكتب وتلك المتضررة منها، وفي الفقرة السالفة كم شعر العمال بالسرور والمتعة جراء استماعهم لما يُقرأ عليهم، بينما حاكم كوبا لم يجد في التجربة إلا ما يهدد مصالحه.. فما قراءة الكتب أو الاستماع إلي من يقرأها بالإنابة إلا نوع من المتعة الضارة! يمكن تعميم فكرة (تبادل الكتب) عراقياً، وسط غياب السياسة الثقافية للدولة هناك، وأن تبادر مجموعة من القراء الأذكياء لحمل كتبها إلي شارع المتنبي لغرض مبادلتها، لتنخلق حالة من حراك الكتب، القديم منها والجديد، بين القراء خارج بيروقراطية الوزارات المعنية وتخبطها وتبريراتها الساذجة، والمبادرة لا تتطلب تكلفة مالية، بل يمكن، أيضاً، أن يتولي كتاب أو قراء قراءة الكتب علي جمع من الناس في المستشفيات والدوائر والتجمعات الشعبية، فثمة ناس لم يروا، حتي اليوم، في عراق الحضارات، حتي كتاباً عادياً! الأمر متروك لذوي المبادرات الخلاقة ممن لم يزالوا شغوفين بالكتب ومولعين بالقراءة. ** منشور بصحيفة "الزمان" العراقية 3 سبتمبر 2009