بين إنكار "العلويط" وتأييد "العتيبي" في واجه الصحافة محيط - علي عبد الودود عبد الله العلويط "العمل عبادة" .. "لا يبارك الله في عمل ينهى عن الصلاة".. قاعدتان فقهيتان مستقرتان في يقين كل مسلم لكنهما يثيران في الوقت ذاته خلافا حادا بين علماء الدين الإسلامي بالمملكة السعودية، ففريق ينادي بإلزام أصحاب الأعمال والمحال بترك أمور دينهم وقت الصلاة والتفرغ لأداء الشعائر الدينية فقط، في حين يرى آخرون أن هذا قد ينطوي على ظلم بين بل يؤدي إلى ضرر بالغ لا يرضى عنه الله تعالى. ويضرب أصحاب الرأي الثاني مثالا بالصيدليات أو العيادات أو المستشفيات أو غيرها من المنشآت الحيوية التي لا يمكن تصورها تعطيلها أو توقفها عن العمل لمجرد ثانية واحدة. وحول هذه القضية أثار الباحث الشرعي عبد الله العلويط جدلا كبيرا أثناء حواره لبرنامج "واجه الصحافة" المذاع على "فضائية العربية" ويقدمه داود الشريان حين وصف إغلاق المحال التجارية أثناء الصلاة بأنه نوع من المبالغة في الحرص على الصلاة، وان كان الحرص عليها مطلوب ولكن لا يصل الأمر إلى معاقبة من لا يغلق للصلاة. وأكد العلويط عدم وجود نص في الكتاب والسنة يوجب معاقبة هذه الفئة من الناس، أما إذا قيل أن الإغلاق من السياسة الشرعية فان هذا مردود عليه بأن هذا النوع من السياسة قد وجد ليخدم مصالح الناس، بينما إغلاق المحال التجارية يصطدم مع مصالح الناس فحينما تغلق لمدة 45 دقيقة في كل وقت صلاة يقع الضرر على الطرفين الأفراد والبائعين بسبب الازدحام الذي يسببونه وضيق الوقت. سعد بن مطر العتيبي ويتصور من أوجبوا هذا الإغلاق أن الصلاة لن تقوم إلا بفرض هذا الأمر وأن عدم الإغلاق هو تهاون فيها، بينما الواقع يشير إلى أن تطبيق الإغلاق هو نوع من المغالاة في الصلاة، وعلى مر التاريخ الإسلامي لم يلزم حاكم الناس بإغلاق متاجرهم بنفس الكيفية، كما أن السياسة الشرعية لا تتخذ في العبادات ويتساءل قائلا"هل من الممكن أن تتواجد هذه السياسة في قراءة الفاتحة خلف الإمام أو في الغسل والوضوء؟ أما عبد الله الأحمد الرئيس التنفيذي لمجموعة دار البندر فقد أوضح أن إغلاق المحال تؤثر على العاملين وإنتاجيتهم وتضر بالمتسوقين أيضا ويتسبب ذلك في إهدار وخسائر مادية لأصحاب المتاجر وبالتالي هدر وخسائر للدولة، وأكد أن الغلق في وقت الصلاة يعتبر جانب إجرائي، ولجأ بعض أصحاب الشركات التجارية الكبرى لاتخاذ إجراءات من اجل تفادي هذه الخسائر وخصصوا أماكن داخل شركاتهم يتم فيها إقامة الصلاة مع إغلاق المحلات داخل المؤسسة. ونفى الأحمد وجود إجراء مكتوب يفرض غلق المحالات التجارية أثناء الصلاة، كما أن هناك النشاط التجاري لابد أن يخضع للجهات الرسمية المختصة به والتي تضع مثل هذه الإجراءات مثل وزارة التجارة والغرفة التجارية في السعودية. وفي إطار القضية أيضا أشار الكاتب الاقتصادي فهد بن جمعة إلى أن هذا القرار في مجمله يكلف ويعطل الاستمرارية الإنتاجية كما يزيد فترة ساعات العمل اليومية من 8 ساعات إلى 10 ساعات للعامل في القطاع الخاص لتعويض نصف ساعة تهدر في كل صلاة، وكلما طال الوقت في العمل كلما أصيب الموظف بالملل مما يعكس جانب إنتاجي سلبي مما يؤدي إلى تناقص النمو الاقتصادي في السعودية. فهد بن جمعة ويضيف جمعة بأنه من غير المعقول غلق مؤسسات حيوية هامة مثل الصيدليات التي يحتاجها المرضى في جميع التوقيتات، كما يعود الأمر بالسلب على الجانب الاستثماري حيث ينفر المستثمر الأجنبي من الاستثمار في المملكة بسبب هذه السياسات.وطالب بضرورة وجود توازن بين الدين والمصالح الدنيوية إلى جانب ذلك أن توضح الرؤى من النظام الذي يتحدث بصفة مستمرة عن حقوق الإنسان في ظل فرض دين على ديانات أخرى. ومن ناحيته رأى سعد بن مطر العتيبي، الأستاذ في المعهد العالي للقضاء بالسعودية، أن هناك فارق كبير بين السعودية والدول الأخرى نظرا لان المملكة هي مصدر الشريعة الإسلامية والقائمة على تنفيذها، وهي الأساس الأوحد للتعامل بين الناس بسياسة شرعية وإقامة لمبادئ الدين، لذا تعظم الدولة تطبيق أحكام الدين كاملة في جميع القضايا التي ينظر إليها الآخرون على أنها تحتاج إلى تعديل. وطالب العتيبي بضرورة التفريق بين الدين وإجراءات حفظ الدين، فالواضح أن هناك العديد من الأنظمة التي يثور جدل في تطبيقها منها أنظمة الشرطة والتجارية والاجتماعية، وليس من الصحيح الاحتجاج على النظام بالخطأ وإنما الواجب النظر في النظام ودراسته والتعرف على ما ينقصه وعلاجه بشكل إجرائي وليس موضوعي. مقدم البرنامج يحاول فض الاشتباك وأبدى احتجاجه على رأي عبد الله العلويط حينما أشار إلى عدم وجود ما ينص شرعا على إغلاق المحال التجارية مؤكدا اشتمال النصوص على ما يشير إلى ذلك عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تؤكد ان التغيير باليد لمن استطاع ويخول هذا الأمر في واقع هذه القضية للدولة ممثلة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستند إلى ذلك بوجود نصوص تمكين وردت في القرآن الكريم في الذكر الحكيم - قال تعالى{الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} سورة الحج الآية 41، كما أن عهد الرسول الكريم شهد إغلاق المحالات وكذلك عهد الخلفاء الراشدين، وقال تعالى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وأقام الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور:36-37). وأوضح العتيبي أن تبني الدولة لرأي معين بناءا على مرجعيتها الشرعية يكون ملزما للناس فيها خاصة أنها وجبت من خلال ولي الأمر، وتطرق إلى إمكانية تدخل السياسة الشرعية في الأمور الدينية مثل وجود أمير للحج لتنظيم الأمور من اجل المصلحة العامة التي لا تتعارض مع الدين، وأكد عدم فرض النظام لعقوبات على تاركي الصلاة وإنما غلق المحال التجارية كنوع من التنظيم. وردا على نفي الضيف عبد الله الأحمد وجود إجراء مكتوب بفرض غلق المحالات أثناء الصلاة، أشار سعد إلى الإجراء موجود فعليا ويطبق من جانب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووقع عليه الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عندما كان نائبا ثانيا إلى جانب ذلك تنص اللائحة التنفيذية في المادة الثانية على إغلاق المحالات التجارية احتراما لمشاعر العامة.