على الرغم من السحر الذي ينطوي عليه الكتاب الالكتروني والازدحام الذي غص به جناح عرضه في معرض فرانكفوت للكتاب بدورته الستين إلا أن الانحياز للكتاب الورقي لما يزل حتى لدى عارضي الكتاب الالكتروني أو ما يسمى بE-BOOK، وهم يقدمون للزوار المتعطشين لرؤية الكتاب الالكتروني الذي تنساب صفحاته يمنينًا ويسارًا كإغماضة عين بعد ان يختار القارئ عنوان الفصل الذي يريد البدء بقراءته من خلال فهرس تدل عليه احد الازرار التي تعمل باللمس لتستجيب لإيعاز الانامل بطاعة ممتعة. الكتاب الالكتروني لا نعني به الملفات التي تحمل شراء أو سرقة أو توافقاً من مواقف الكتورنية على جهاز الكمبيوتر بل كتاب تلمسه بيدك وتتصفحه الكترونيا بأناملك بحجم 15 سم في 25 سم ومغلف من جهة واحدة بغلاف جلدي ماأن تزيحه حتى تظهر الصفحة الاولى التي يمكن اختيار في اليمين والاسفل ماتشاء من خدمات للقارئ. وهو يسع 6800 صفحة الكترونية بما يقارب 12 رواية. أي انه بمثابة مكتبة الكترونية صغرة يمكن حملها بسهولة اذ لايتجاوز وزنه النصف كيلو غرام. وسعره يبدو مغرياً حتى لمتوسطي الدخل فهو معروض الان ب290 دولار. وقد بدأ التنافس عليه بين شركة أمازون وشركة سوني التي اعلنت ان لديها حتى الان 150 الف عنوان كتاب يمكن شراؤها وتحميلها للكتاب بسهولة فيما توفر أمازون مئة الف عنوان حتى الان. ويبدو ان سعة الكتاب وسعره سيخضعان للزيادة والنقصان حسب التقنيات الجديدة وربما من حجمه أيضا. لكن الحجم المعروض الان نال استحسان الزوار اذ يناسب الجميع ويمكن وضعه في أي حقيبة كتف أو يد. لكن هذا الاكتشاف لم يشكل بعد إلغاءً للكتاب الورقي الذي يقاتل ببسالة فريدة وبلا كلل مدججاً بعشق القراء له، فلم تتأثر حتى الموظفة الألمانية في شركة سوني التي تعرض الكتاب الالكتروني في المعرض بهذا السحر اذ قالت لنا أنها لاتستطيع التخلي عن الكتاب الورقي امام هذا الاكتشاف ولو خيرت بينهما لانحازت للورقي بكل تاكيد. ومثلها يرى الشاعر والاعلامي السوري المقيم في ألمانيا سليمان توفيق الذي يقول إنه لن يقتني هذا الكتاب الالكتروني مهما كان الاغراء الذي يقدمه وحتى ابنه لن يتقبله أيضًا وربما حفيده فقط سيتأقلم معه مستقبلاً، مضيفاً في حديث مع إيلاف أن الكتاب الورقي ارتبط مع الكاتب والشاعر من خلال الورق ورائحته ولايظن ان شرائح الالكترون تكون بديلا لمدمني الكتب جمعاً وقراءة. اما الكاتب العراقي حسين الموزاني الذي جاء من مدينة برلين للاطلاع على الكتاب الالكتروني فقد اخبر إيلاف أن اجمل هدية يمكن تقديمها لصديق مثقف هي كتاب بما تحوي دفتاه من قيمة معرفية لكاتب يحبه من تقدمه له، وبالامكان تكرار الاهداء بمناسبة اخرى لنفس الصديق او الصديقة بكتاب لمؤلف اخر، وربما سيلغي هذا الاكتشاف هذا التقليد الجميل. لكنه بدا متحمساً للكتاب الالكتروني مستشهدًا بأصدقاء له لما تزل كتبهم بنسخة الكترونية لما تطبع بعد. واطلق على الكتاب الالكتروني بكتاب المستقبل الذي يمكن حمله معك في السفر بعد ان تختار عددًا من الكتب التي تنوي مطالعتها بالطائرة او القطار او الباص او المكان الذي ستذهب اليه دون تفكر بعناء المكان الذي تضعها فيه. لكن عناد الكتاب الورقي وتحديه للكتاب الالكتروني بدا واضحا خارج أسوار معرض كتاب فرانكفورت في باحة كبيرة مخصصة لباعة الكتب الستعملة التي ازدحم بين اورقتها الزوار الذي غادروا معرض الكتاب وقد انبهر بعضهم بسحر الكتاب الالكتروني قبل ان يبدد السحر بمايراه من كتب ممدةً بوقار اغلفتها وأوراقها في سوق الكتب المستعلمة وقد انقاد لها مدمنوها بعد ان استفاقوا من غيبوبة شركتي سوني وامازون. يذكر أن الكتب الالكترونية اتنشرت قبل سنوات كملفات نصية تشبه في ترتيبها الكتب المطبوعة ويتم تحميلها على جهاز الكمبيوتر الشخصي كما يتم حفظ أي نص من مواقع الويب. وتتراوح ما بين بضعة مئات من الكيلوبايتات الى اكثر من مئة ميغابايت في بعض الأحيان، وكان يجري تنسيقها وفق ملفات PDF وCHM وTXT وRTFوHTML وHTML ويمتاز ملف PDF بصفات غير موجودة في الانواع الاخرى من ملفات الكتب الالكترونية ومنها امكانية تشفير النص بحيث لا يستطيع احد نسخه كما هو مكتوب. وامكانية اضافة توقيع أو شهادة رقمية من مؤلف الكتاب. وإمكانية طباعة كامل صفحات الكتاب الورقي بوساطة السكنر وتفيره الكتورنيا ضمن هذا النسق. لكن عيبه أن الملفات الكبيرة منه تستهلك ذاكرة كبيرة قبل فتحها لانه عبارة عن صور فيشعر المتصفح بالملل. لكن نسقي TXT RTF المتوفرين في نظام ميكروسوفت. وهذان النسقان من أبسط أنوع الكتب الاكترونية ويمكن استخدامهما بواسطة برنامجي Notepad وWordpad في نظام مايكروسوفت ويندوز. فيما لا يمكن انشاء كتاب متقدم في برنامج Notepad فإنه يمكن عمل كتاب مخصص في Wordpad لأن الأخير يدعم تغيير نوع الخط، حجمه، لونه، لون خلفيته، ونوعه لأي جزء محدد من النص، وكذلك يمكن ادراج صور فيما لا يدعم برنامج Notepad هذه الخصائص. ومنذ نهاية التسعينات طرحت نماذج للكتب الالكترونية غيرالشركات المصممة تقوم بارجاء انزالها للاسواق لسنوات اخرى كما هي اليوم في معرض فرانفكورت للكتاب الذي تم الاعلان عنه في دورة العام الماضي أيضاً. لكن الشكل الذي طرحته شركتا سوني وامازون والسعر المعقول له قد يشجع القارئ المهووس بكل ما هو إلكتروني لاقتنائه. ** منشور في "إيلاف" 19 أكتوبر 2008