في ظل النمو المطرد لأسعار السلع الأساسية المتزامن مع حدوث تحولات كبرى بأسواق السلع لاسيما في الاقتصادات الناشئة مثل النمو السريع ونمو طبقة وسطى ذات عادات غذائية متبدلة، إضافة إلى ذلك استخدام المحاصيل الغذائية لانتاج الوقود الحيوي وحدوث انخفاض في معدلات نمو الانتاج الزراعي جميعها عوامل أسهمت في حدوث ضغط تصاعدي على أسعار السلع الغذائية الأساسية، أكدت دراسة صادرة عن مؤتمر الاممالمتحدة للتجارة والتنمية "اونكتاد" أن طغيان رأس المال في تمويل بعض السلع الاساسية والمعروفة باسم "الامولة" غير السلوك التجاري وأثر سلباً في أسعار بعض السلع الأساسية مثل المواد الغذائية. ويوصي خبراء "اونكتاد" في دراسة أوردتها وكالة الأنباء الكويتية "كونا" بوضع تدابير شتى للتخفيف من حدة الاثار الضارة لعملية "الأمولة" بما في ذلك زيادة الشفافية في تجارة السلع الأساسية والتنظيم المنسق دولياً لبورصات السلع الأساسية والتدخل المباشر للسلطات المسؤولة عن تنظيم الأسواق. وتركز الدراسة على كيفية اعتماد المستثمرين الماليين في اسواق السلع الاساسية على المعلومات المتصلة بالقليل فقط من الاحداث التي يمكن ملاحظتها عموما وعلى النماذج الرياضية بدلا من التركيز على الحقائق المادية المتصلة بالعرض والطلب. وبينت ان عملية ضخ رؤوس الاموال التي تنعكس في تزايد احجام الاستثمارات المالية في أسواق مشتقات السلع الأساسية شجعت ما وصفه خبراء "اونكتاد" ب "سلوك القطيع" الذي يجعل تحديد الأسعار في أسواق السلع الأساسية يتبع على نحو متزايد منطق الاستثمار المالي بدلا من العوامل الأساسية للسوق. وحذرت الدراسة من أن هذا المنحى يمكن أن يلحق ضررا بالاقتصاد الحقيقي حيث يكون لأسعار سلع مثل الأغذية تأثير على الصحة والرفاه لاسيما في البلدان الافقر. وقال هانير فلاسبيك، مدير قسم العولمة واستراتيجيات التنمية اثناء تقديم التقرير ان اسعار السلع الأساسية وأسعار الأسهم كانت تتغير بصورة مختلفة ما يعكس بشكل أوضح العوامل الأساسية المتمايزة التي تقوم عليها مختلف الأسواق. من جهة اخرى سجلت اسعار النفط في أحدث دورة من دورات الأعمال التجارية ارتفاعا قويا حدث مباشرة في أعقاب بلوغ الدورة نقطتها الدنيا حتى قبل أن تبدأ أسعار الأسهم بالارتفاع. وذكرت الدراسة ان منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة شهد بداية ظهور اتجاه يتمثل في ارتفاع مطرد في أسعار السلع الأساسية مقترنا بتقلب الأسعار على نحو متزايد ثم عادت الأسعار العالمية للسلع الأساسية الى الارتفاع مرة أخرى منذ منتصف عام 2009 لاسيما منذ صيف عام 2010 . وتتزامن هذه التطورات مع حدوث تحولات كبرى في العوامل الأساسية التي تستند اليها أسواق السلع الأساسية لاسيما في الاقتصادات الناشئة مثل النمو السريع وتزايد التحول الحضري ونمو طبقة وسطى ذات عادات غذائية متبدلة، إضافة إلى ذلك استخدام المحاصيل الغذائية لانتاج الوقود الحيوي وحدوث انخفاض في معدلات نمو الانتاج الزراعي وانتاجية قطاع الزراعة هي جميعها عوامل أسهمت في حدوث ضغط تصاعدي على أسعار السلع الغذائية الأساسية. وأكد خبراء "اونكتاد" أن عملية اغراق أسواق السلع الأساسية بالاستثمارات أفضت الى ظهور قوى جديدة تؤثر في الأسعار فالمتعاملون في الأسواق يتبعون على نحو متزايد القرارات التي يتخذها غيرهم من المشاركين في الأسواق. كما يؤكدون أن هناك طائفة واسعة من الدوافع التي تفضي الى اتباع ما يصفه خبراء اونكتاد ب "سلوك القطيع المتعمد". ومن الأمور التي تؤثر تأثيرا أساسيا في هذا السلوك "حال عدم التيقن الناشئة عن وجود فجوات في شفافية الأسواق وما يترتب على التطورات في أسواق الأسهم من اثار على أسعار السلع الأساسية". ويرى الخبراء انه قد يكون تصرفا عقلانيا حين يعمد المشاركون في السوق الى تقليد غيرهم في أوضاعهم الاستثمارية أو أن يتبعوا ببساطة الاتجاهات السائدة بأن يتخذوا قراراتهم على أساس تفسير لسلاسل اتجاهات الأسعار تاريخيا. ويقترح "أونكتاد" عددا من الاستجابات لتحسين عمل الأسواق منها زيادة الشفافية في أسواق السلع الأساسية المادية من أجل الحد من حالات عدم التيقن من خلال تحسين نوعية البيانات وتوفرها في الوقت المناسب لاسيما فيما يتعلق بالمخزونات. كما ينصح بتحسين تدفق المعلومات وامكانية الوصول اليها في بورصات السلع الاساسية لاسيما فيما يتعلق بالأوضاع الاستثمارية لمختلف فئات المشاركين في أسواق المشتقات. ويشدد على اعتماد تدابير لضمان الوفاء بمتطلبات الابلاغ الخاصة بالتداول في البورصات الأوروبية مماثلة لتلك التدابير المعمول بها في بورصات الولاياتالمتحدة وأن تحسن الى حد كبير من شفافية التعاملات ويثبط المفاضلة بين لائحة تنظيمية وأخرى. ويؤكد خبراء "اونكتاد" التشدد في الضوابط التنظيمية لعمل المستثمرين الماليين مثل تعيين حدود للأوضاع الاستثمارية بهدف احتواء تأثير المستثمرين الماليين في أسواق السلع الأساسية. في حين يوضح الخبراء أن التعاملات بغرض التملك من قبل المؤسسات المالية المنخرطة في صفقات تغطية للمخاطر لصالح عملائها يمكن حظرها بسبب تضارب المصالح وهذا يدعو الى اقامة توازن مناسب بين التشدد المفرط في فرض حدود على التملك القائم على المضاربة وبين التساهل المفرط بما في ذلك في مجال المراقب. وينصح التقرير باتباع ما وصفها بالتدابير المباشرة الممكنة لتثبيت أسعار السلع الأساسية مثل التدخلات الهادفة التي تحدث من حين الى اخر من قبل السلطات المختصة المسئولة عن تنظيم الأسواق لازالة "فقاعات" الأسعار ومساعدة المشاركين في الأسواق في التعرف على أساسيات السوق على نحو أفضل. وكما في حال سوق العملات وكذلك سوق السندات في وقت أقرب يمكن لمصرف مركزي أو سلطة مناسبة أخرى التدخل في الأسواق المحلية كصانع للسوق أو كمؤسسة قادرة على كبح جماح السوق في حال انفلاتها. وفي ذات السياق، حذرت المؤسسة البريطانية الخيرية "أوكسفام" من ان اسعار المواد الغذائية الاساسية ستزيد لأكثر من الضعف خلال 20 عاما ما لم يتخذ قادة العالم إجراءات لإصلاح النظام الغذائي العالمي. وأعلنت المؤسسة انه بحلول عام 2030 سيزيد متوسط التكلفة ما بين 120 الى 180 في المئة. وتنبأت المؤسسة في تقريرها بعنوان "بناء مستقبل افضل" ان سبب هذه الزيادة هو تغير المناخ وطالبت قادة العالم بتحسين تنظيم اسواق المواد الغذائية والاستثمار في الصندوق العالمي للمناخ. وقالت باربرا ستوكينج ، الرئيس التنفيذ لمؤسسة "اوكسفام" إنه يتعين اصلاح النظام الغذائي اذا اردنا تخطي التحديات المتزايدة لتغير المناخ وتصاعد أسعار المواد الغذائية وندرة الأراضي والمياه والطاقة.