رغم صعوبتها.. إنجازات الاقتصاد الخليجي لا تمحوها سنة "أزمة" محيط - زينب مكي توقع تقرير اقتصادي حديث أن يكون العام 2009 بمثابة اختبار واقعي لقدرة الحكومات الخليجية على التعامل مع الأزمة الاقتصادية والحد من تداعياتها متوقعا أن يكون عاما مليئا بالتحديات لما سينجم عنه من خسارة لبعض المكاسب المحققة في السنوات السابقة، لكن إنجازات الاقتصادات الخليجية والمكاسب الضخمة التي حققتها خلال السنوات القليلة الماضية تبقى كبيرة لدرجة أنها لا يمكن أن تختفي جراء التعرض لصعوبات في سنة واحدة، مهما بلغ حجم هذه المصاعب. وأكد التقرير الصادر عن بنك "الكويت الوطني" في نشرته الاقتصادية الأخيرة أن التدهور الحاد الذي شهده الاقتصاد العالمي منذ الربع الأخير من عام 2008 بدأ بالتأثير سلبا في قيمة وحجم التجارة الخارجية لدول الخليج، حيث من المتوقع أن تعاني الصادرات في العام الحالي جراء الهبوط الحاد في أسعار النفط، في حين ستشهد الواردات أداء ضعيفاً، متأثرة بانكماش النشاط الاقتصادي وانخفاض الطلب المحلي في دول الخليج. ورأى الوطني أنه نظراً للدور الكبير الذي يلعبه قطاع النفط في اقتصادات دول الخليج، فيتوقع للتراجع الحاد والسريع الذي شهدته أسعار النفط من مستوياتها القياسية في العام الماضي أن ينعكس سلباً على مجمل النشاط الاقتصادي لدول المنطقة خلال العام الحالي، وخاصة في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي وميزانيات الحكومات ومعدلات البطالة والنمو السكاني. لذلك، يبقى الاعتماد الكبير على النفط وتذبذب أداء الاقتصادات الخليجية تبعاً لتقلبات أسعار النفط أحد أبرز نقاط الضعف المزمنة وأحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصادات الخليجية، الأمر الذي يفسر الحاجة الملحة لتنويع مصادر الدخل. ولحظ الوطني أن أسعار النفط قد سجلت مكاسب جوهرية خلال الأشهر الأخيرة، متأثرة بعوامل مختلفة تراوحت ما بين ارتفاع درجة التوازن في أسواق النفط إلى الضعف المتوقع في سعر صرف الدولار، فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر برميل الخام الكويتي خلال الشهر المنتهي في 12 يونيو الجاري بواقع 26% إلى 70.4 دولارا. لكن على الرغم من هذا الارتفاع الملحوظ، فإن ذلك لا يعني أن الثقة ستعود قريبا إلى الأسواق أو أن المسار الذي ستسلكه أسعار النفط مستقبلا بات أكثر وضوحا، فصادرات النفط و البتر وكيماويات تعتمد بشكل كبير على واقع وتطلعات الاقتصاد العالمي. إلا أن البيئة الاقتصادية العالمية في الوقت الراهن لا تبدو مساندة لتعاف جوهري في الصادرات الخليجية. فوفقاً لتقديراته الأخيرة، يتوقع صندوق النقد الدولي على سبيل المثال أن ينكمش الاقتصاد العالمي في العام الحالي بواقع 1.3%، قبل أن يتعافى قليلا في العام المقبل. ورأى الوطني أن انتهاء الطفرة النفطية الأخيرة قد أدى إلى تصحيحات حادة في الاقتصادات الخليجية وعلى كل الأصعدة تقريبا، وقد يكون في مقدمة التداعيات السلبية للأزمة الحالية الانكماش المتوقع في النشاط الاقتصادي لدول الخليج وتدهور ثقة القطاع الخاص. ونتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الخليجي بالأسعار الجارية في العام الحالي بواقع 20% وذلك في أعقاب نموه في العام الماضي والمقدر بنحو 28%، أما بالأسعار الثابتة، فيتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الخليجي خلال عام 2009 بواقع 2.6%، بعدما كان قد سجل نموا في العام الماضي بواقع 7%. كذلك، يتوقع أن يشهد فائض الحساب الجاري لدول الخليج انخفاضا حادا في العام الحالي، مع تسجيله فائضا بحدود 15 مليار دولار فقط (2% من الناتج المحلي الإجمالي)، مقارنة مع فائض بلغ 290 مليار دولار (28% من الناتج المحلي الإجمالي) في العام السابق. ونتيجة لذلك، لا يتوقع أن تتمكن دول الخليج في 2009 من تعزيز أصولها الأجنبية بالوتيرة نفسها التي سادت السنوات السابقة. كما نتوقع أن تسجل ميزانيات الحكومات الخليجية عجزا بحدود 20 مليار دولار (2.7% من الناتج المحلي الإجمالي)، بعدما كانت قد حققت فائضا في العام الماضي يقدر بحوالي 220 مليار دولار. كذلك الحال، يتوقع أن يشهد معدل النمو السكاني والتوظيف تباطؤا خلال العام الحالي، إلى جانب ضعف الطلب المحلي والخارجي ونشاط البنوك وربحيتها وحجم ثروات القطاع الخاص من مستوياتها القياسية للعام السابق. وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن بنك الكويت المركزي إلى أن كلا من الصادرات النفطية وغير النفطية قد تراجعت في الربع الأول من 2009 بواقع 56% و7% على التوالي، وذلك مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. سواء واصلت أسعار النفط مسيرة ارتفاعها الحالية أو اتجهت نحو الانخفاض، يرى الوطني أن ذلك يجب ألا يكون بؤرة الاهتمام الأولى لدول الخليج، وذلك لأربعة أسباب رئيسية، أولها أن بمقدور دول الخليج أن تواجه بسهولة تداعيات الأزمة الحالية عبر استغلال الحجم الهائل من الأصول الأجنبية التي تمكنت من جمعها خلال السنوات السابقة. أما السبب الثاني والأهم، فيتمثل في أن الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الدول الخليجية خلال السنوات الأخيرة تتجاوز بشكل ملحوظ متوسطها التاريخي الاعتيادي، ثالثا، تعاملت دول الخليج بحكمة أكبر مع فورة النفط الأخيرة مقارنة مع الفورات السابقة، ويلاحظ أنها خصصت المزيد من المصروفات لتطوير الرأسمال البشري والتعليم والبنية التحتية ورفع الطاقة الإنتاجية للقطاع النفطي، بالإضافة إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، ويتوقع أن يثمر ذلك في المستقبل القريب من حيث ارتفاع الإنتاجية والفعالية. وأخيرا، فإن أسعار النفط ارتفعت خلال الأشهر القليلة الماضية على خلفية ظهور بعض دلالات التعافي في الاقتصاد العالمي، وفي حال استمرار هذا المنحى، يتوقع أن يعزز ذلك من إيرادات الصادرات النفطية والثقة عموما خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، فمستوى الأسعار الحالي ليس بعيدا عن «السعر العادل» من وجهة نظر أوبك والبالغ 75 دولارا للبرميل. وعلى صعيد متصل توقع التقرير السنوي ل "اتحاد غرف التجارة والصناعة" في الإمارات الذي صدر مؤخرا في أبو ظبي, من تباطؤ حجم التجارة العالمية بنسبة 2.5 % هذه السنة، وهو ما يعد أول انكماش في حجمها منذ عام 1982، وتوقع هبوط معدل الاستثمار العالمي بنسبة 50 %، مقارنة بعام 2007، وأن يصل معدل النمو الحقيقي الإجمالي في الاقتصاديات الخليجية هذه السنة إلى نحو 2.4 % مقارنة ب5.2 % عام 2008. وتوقع التقريرأن "تكون قطر أقل الدول الخليجية الست تأثراً، حيث يتوقع ان ينخفض معدل النمو الحقيقي فيها من 10.4 % السنة الماضية، إلى 9.4 % هذه السنة، في حين ستتباطأ معدلات النمو الحقيقية في الدول الخليجية الخمس الأخرى الى ما بين 2.5 و3.5 و3 %". وأكد التقرير ان "مسيرة التكامل الاقتصادي في دول الخليج لا تزال في حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتسريع اكتمالها، على رغم ان الاتحاد الجمركي الخليجي حقق نتائج ايجابية منذ انطلاقته عام 2003 عبر تسجيله ارتفاعاً ملحوظاً في حجم التبادل التجاري بين هذه الدول، بأكثر من 20 % سنوياً خلال سنوات الاتحاد، مقارنة بما كان عليه قبل الاتحاد (7.5 %)".