في الوقت الذي توقع البعض فيه أن تسهم أزمة الغذاء الراهنة في إزالة بعض من العوائق التي ظلت تعترض على مدى سبع سنوات مفاوضات تحرير التجارة العالمية إلا أنه مازالت هناك مساعي ومحاولات دؤوبة من جانب الدول النامية للاحتفاظ بحقها في العودة لرفع التعريفات الجمركية على الواردات من المحاصيل الزراعية لحماية أسواقها المحلية. غير أن ذلك قد يعيق بوادر التقدم الطفيفة التي كانت قد شهدتها محادثات تحرير التجارة العالمية خاصة عقب عودة الخلاف حول مدى جدوى وقدرة الدول النامية على حماية إنتاجها الزراعي من خلال التعريفات والرسوم الجمركية. فبينما أقدمت العديد من الدول مثل الهند وأندونسيا على خفض الرسوم الجمركية والتي وصلت إلى إلغاءها على بعض السلع كإجراء يستهدف الحد من ظاهرة الغلاء التي تواجه أسواقها، تتمسك هذه الدول بحقها في عدم إقرار تلك التخفيضات كإجراء دائم وإنما مؤقت لمواجهة الأزمة. وعزا المسئولون ذلك إلى أنهم في حاجة ماسة للاحتفاظ بالمرونة في حالة عودة أسعار السلع الغذائية للتراجع. وفي هذا الصدد أصرت مجموعة من الدول وفي مقدمتها إندونسيا على التمسك بحقها في استثناء سلع – توصف بأنها ذات طبيعة خاصة - من التخفيضات الكبيرة أملاً في حماية مصالح المزارعين وضمان توافر المحاصيل والمعروض الغذائي بالسوق المحلي. كما أن سفير الفلبين لدى منظمة التجارة العالمية قد أكد لصحيفة الفاينانشيال تايمز أنه على مستوى بلاده فانه يتم التعامل مع المشكلة بشكل مؤقت حيث نتجت عن ظروف حصاد غير مواتية في الأسواق الخارجية بجانب الواردات الزراعية التي يصعب الاعتماد عليها من المصدرين الأساسيين. و أشار إلى أن الهدف على المدى المتوسط هو حماية مصالح المزارعين وتأمين احتياجات السوق المحلي. وأضاف أن الوصول لذلك الهدف يتطلب الاحتفاظ بمرونة في تنفيذ السياسات المتعلقة بالتعريفات الجمركية. وقال أن بلاده أعلنت عن خطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز في غضون سنوات . ولفت إلى أن حق بلاده في استخدام الرسوم الجمركية سيشجع المزارعين على الاحتفاظ بالأراضي لزراعة الأرز بدلاً من تحويل استخدامها للأغراض الصناعية . ويرى الخبراء الاقتصاديون أن أزمة الغذاء الراهنة قد تنهي الأضرار بدلاً من المساعدة على تحرير التجارة العالمية بصورة دائمة حيث تؤول تلك الأزمة إلى دفع الدول للتقوقع والانعزال عن الأسواق العالمية. وهناك تداعيات أخرى لأزمة الغذاء تمس بشكل مباشر المشاكل الخاصة بمفاوضات تحرير التجارة ومثالاً لذلك الحظر والضرائب التي فرضتها بعض الدول على التصدير مثل الأرجنتين بهدف وقف خروج المحاصيل والسلع الغذائية للخارج. وإجمالا يمكن القول بأن جولة مفاوضات الدوحة لتحرير التجارة العالمية لازالت تعاني من حالة جمود منذ العام 2001 بسبب رفض الدول تقديم تنازلات فيما يتعلق بإبقاء الرسوم الجمركية على الواردات دون تخفيض باعتبار أن تلك التعريفات تمثل حماية ودعماً للمزارعين. جدير بالذكر أن العالم بدءا من البرازيل في أمريكا اللاتينية وبوركينا فاسو بأفريقيا وصولا إلى شرق آسيا قد أقدمت على إزالة التعريفات الجمركية التي كانت تفرض على السلع والمنتجات الزراعية كخطوة في مواجهة حالة الغليان التي تشهدها أسعار السلع الغذائية الأساسية عالمياً والتي ارتفعت بنحو 83% حسبما يشير البنك الدولي. الهند على سبيل المثال من الدول التي قد أقدمت على خفض التعريفات الجمركية على واردات دقيق القمح ب 36%، كما ألغت اندونسيا الجمارك على القمح وفول الصويا وخفضت تركيا الرسوم الجمركية بشكل كبير على القمح وذلك من 130% وإلى 8% في حين تم إلغاء الجمارك على الشعير بعد أن كانت تصل إلى 100%.