عالم سعيد الكفراوي وسعد القرش .. في ندوة مصرية محيط - رهام محمود استضافت سلسلة "حوار" الشهرية في أولى ندواتها بالمجلس الأعلى للثقافة، القصاص سعيد الكفراوي والروائي سعد القرش ، في مناقشة بين جيلين من الكتاب المصريين حول اختلاف ظروف الكتابة لدى كل منهما والسمات المشتركة كذلك بينهما ، وقد شارك بإدارة اللقاء الكاتبة غادة الحلواني والناقد د. يسري عبدالله والأديبة هالة البدري . واعتبرت هالة البدري أن كتابات سعيد الكفراوي بها ملمح صوفي واضح وخاصة حينما يتحدث عن الريف ، ولكنه يتشابه مع كتابات القرش في أن كليهما يعتمد على فكرة الأسطورة . وعن تجربته قال الكفراوي : أقرأ بشغف، والقراءة عندي حالة مرضية ليس لها علاج، كما أنني فلاح أنتمي لقرية مصرية، وهي التي شكلت وجداني، ومن خلالها استطعت التعرف على حقيقة وجودي، وعلى الأسئلة التي تشغلني. في هذه القرية كانت أمامي تجليات كثيرة، عشتها وأنا طفل، أدركت الموت، الجدل ما بين القرية والمدينة، شاهدت المتغيرات وحصاد القمح على رمية الغلة، عشت الأعراس والمآتم وحفلات الطهور، والعلاقة بين الآباء والأجداد. يواصل : تربى وعيي على حكايات جدتي، وشاهدت حكي القصص على ضوء القمر، وأذكر أن الجدة كانت تنصحني دوما بألا أؤذي حيوانا خلقه الله حرا ، ولكن معالم القرية تغيرت وأواجه صعوبة الاحتفاظ بالذاكرة التي تركتها في القرية . أما عن ميله للقصة فقال عنه أنه يشعر معها بالتحقق أكثر من الرواية ، وهو لم يشعر حتى اليوم أنه مؤهل نفسيا لكتابة رواية . وقال الكفراوي عن سعد القرش : إنه أديب شاب ينتمي لمحافظتي ومن قرية مجاورة ؛ فأنا من " كفر حجازي "، وسعد من " بنا أبو صير"، وهي مدينة قديمة كانت عاصمة من عواصم الدولة الفرعونية ، ومليئة بالآثار والأسرار. وهو يشبهني في أن عالمه هو نفس القرية التي خرجت منها بتساؤلاتي وشغلتني وكتب عنها رواياته الثلاث ، وتذكر الأسرة التي كانت بطلة إحدى الروايات وهي من العصر المملوكي وتتناسل وفي كل جيل يطرح سعد القرش تساؤلات جديدة تناسب العصر ومشكلاته . وأنا سعيد بتجربته الإبداعية ومتابع جيد لها . من جهته قال الناقد د. يسري عبد الله : تم إنتاج المكان في نصي الكفراوي والقرش بصيغتين مختلفتين، على الرغم من الحضور الجغرافي المتقارب للمكان لدى كل منهما ؛ حيث المحلة الكبرى والسوق وطنطا، وقد بدت القرية مكانا مختلفا لدى كل منهما لا بمعناها الجغرافي الذي تشابها فيه كثيرا ، ولكن بمعناها النفسي ؛ فبينما بدا المكان عند سعيد الكفراوي واقعيا صرفا، يتخذ من القرية عالما أسير له بحيث يصير المكان وتصير القرية عنده بمثابة العالم القائم بذاته، المبني عليه نصه القصصي، نجد سعد القرش شغوفا بالعوالم المتخيلة في القرية ، مسكونا بالأساطير، يأتي نصه محملا بالتناصات على تنوعها واختلافها. هذا ما نراه في "ليل أوزير" ومن قبلها "أول النهار". يواصل د. يسري: القرية لدى الكفراوي أساس لاستعارة العالم، هي جزء أصيل لمحاولة اكتناهه، بينما لدى سعد القرش فهي نقطة انطلاق لاستعارة هذا العالم. ويمكننا ملاحظة الوعي الكبير بموروث المكان لدى كل منهما وتضفيره بالحكايات الشعبية ، وإن بدا الكفراوي موغلا في هذا الأمر يرصد احوال البشر المأزومين ومن ثم فهو معني بالذهنيات المشكلة لوعيهم ونلحظ حضورا ضافيا للأولياء في نصه ، لأنه يريد أن يحكي عمن لم يقف عندهم التاريخ ، المنسيون الهامشيون حتى معانقة الموت ، كذلك يتجاور في نصه الواقعي مع المتخيل ، المدهش مع المألوف العادي . أما نص سعد القرش فتتسع بداخله مساحات المتخيل السردي، ولأن عوالم القرية لا تعد العالم الأساس؛ لذا فهي قد تأتي أحيانا على صورة استرجاعات كما حدث في روايته البديعة " باب السفينة "، أو تصبح جزء من عالم غايته الإسقاط على الواقع كما في " ليل أوزير" وقبلها "أول النهار"؛ لتمثل هذه الروايات الثلاثة "باب السفينة، أول النهار، ليل أوزير" استعارة شفيفة للواقع المصري، تتكئ حين على التناص مع القص الديني، ممثلا في سفينة نوح، كما في رواية " باب السفينة " ، حيث يظل "عاصم" باحثا عن الباب الذي هو المخرج والخلاص، لتظلل النص حالة من الإخفاق، تتضاءل معها الأحلام الكبار للشخصية المركزية "عاصم"، التي ضاعت نبوته المستحيلة والمتخيلة على مذبح الحياة الواقعية اليومية . هكذا يفعل سعد القرش حين يغلف نصوصه ذات الصبغة الواقعية بنفس أسطوري، يجعلها تقف في تلك المسافة الخصبة ما بين الواقع والخيال، لكن ثمة سؤالا يدور دائما عن كيفية الخلق وآليات الكون، وهذا في رأيي سؤال النقد الأساسي، دوما يصنع القرش مدخل لنصه أقرب إلى "البرولو" بلغة المسرحيين، وبالتقديمة الدرامية أو الافتتاحية والتي تمثل للدخول للعالم المحكي عنه، فيصدر مثلا روايته "باب السفينة" بجملة دالة "وأغلق الرب على نوح باب السفينة "، هذه الجملة التي تصنع حالة من نوع ما لقارئها، وتصنع أيضا وزخم من المدلولات التي يتم استدعائها لنفاجأ بأن ثمة حكاية واقعية بالأساس. في "أول النهار" نرى ذلك الجدل بين التاريخي والجمالي، ففي هذه الرواية هناك مسارين سرديين متجادلين في النص ؛ أحدهما واقعي يتعلق بحياة البشر العاديين، والآخر تاريخي يحوي إشارة إلى الظرف المجتمعي العام، وما بين هذين المسارين تتشكل البنية السردية في رواية سعد القرش. تساءلت هالة البدري عن وجود شخصيات كثيرة تتردد في الأثنى عشر مجموعة قصصيه عند سعيد الكفراوي، فأجاب: جزء كبير من أبطال قصصي من واقع الحياة وكذلك الاماكن.وكنت أعيش في الماضي، إلى أن جاءت د. سيزا قاسم وقالت أن الكفراوي لم يعش في الماضي، بل يستحضر الماضي كي نعيش نحن كل الأزمنة . ويوجد بطل في قصة "قصاص الأثر"، كان يحضر مزادات، ويزايد دون أن يكون معه أي مال، فحينما زايد على تحفة فنية ورسي عليه المزاد اكتشفوا الأمر، حبسوه في غرفة التحف حتى يطلع النهار وتأخذه الشرطة، فقال في نفسه " غايتي أن استحوذ على زمن يضيع"، ففكرة تكرار الأشخاص والحفاوة بالماضي وبفعل الرحيل أو المحو، والاهتمام بالطفل وجدل القرية والمدينة، الحياة والموت، كل هذه المحاور تشكل سؤال الأدب أو ما يسمى بسؤال المصير الإنساني الذي شغلني، وهذه الأسئلة ستظل تتردد، وهي الإمساك بما فات، والبحث عن وجود مفترض غائب. ثم ناقشته هالة البدري في بروز الأسطورة في قصصه ، فقال الكفراوي : واقعنا الذي نعيشه زاخر بهذه الأساطير، والغريب أن يقال أن الأدب اللاتيني هو الذي نبهنا للأساطير، لكن حينما ندرس نجد أن العكس هو الصحيح، فمثلا كتاب " ألف ليلة وليلة " شكل الذاكرة اللاتينية.