وجدت البنوك التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية مخرجا من "الحرج الفقهي" الذي وقعت فيه أمام عملائها عقب فتوى تحريم "التورق المنظم" الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي، وذلك عبر الالتفاف عليه من خلال الاستعانة بفتوى أجازت هذا النوع من "التورق وصادرة منذ فترة ليست بالبعيدة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وفي إشارة ضمنية أبلغ مصدر غربي قريب من المجالس الشرعية لبعض المؤسسات المالية صحيفة "الاقتصادية" الإلكترونية أنه في حالة التزمت بعض البنوك الخليجية بفتوى التحريم هذه، فمن هذا الإجراء أن تكون له نتائج عكسية، لأن كثيراً من العاملين في التمويل الإسلامي يستخدمونه بصورة روتينية كوسيلة لإدارة السيولة.
وحذرت شركة المحاماة "دنتون وايلد سابت" في مذكرة بحثية لها بأنه "إذا تم سحب التورق فجأة، فإن من شأن هذا الإجراء أن تكون له نتائج عكسية، لأن كثيراً من العاملين في التمويل الإسلامي يستخدمون هذا الهيكل بصورة روتينية كوسيلة لإدارة السيولة، ولإعطاء عملائهم تسهيلات لرأس المال العامل".
وكان الشيخ نظام يعقوبي المفتي الشرعي والمصرفي البحريني قد فجر مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكد، بحسب صحيفة "ذي ماليزيان ريزيرف" الماليزية، أن ال 17 بحثاً التي ارتكزت عليها فتوى التحريم الصادرة من مجمع الفقه تكشف عن إجازة هذا المنتج بدلا من تحريمه.
وتجاهل مدسر صديقي، محام أمريكي وفقيه شرعي لدى "دنتون وايلد"، الإجابة عن سؤال للصحيفة إذا ما كانت هذه "النتائج العكسية" تعني "انهيار" صناعة التورق العالمية التي تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار.
ومن جانبه تراجع يوسف طلال ديلرنزو، أحد أكبر فقهاء أمريكا الشمالية وأكثرهم تأثيرا على الصعيد المصرفي، عن موقفه الحيادي حول التورق المنظم، وأعلن انضمامه إلى جانب نظام يعقوبي بعد أن كشف الأخير حيثيات صدور الفتوى المستعجلة من مجمع الفقه.
وقال ديلورينزو المتخصص في قانون المعاملات الإسلامية والعضو في مجالس في إدارة 15 مؤسسة إسلامية، أنه هو الآخر "يشكك في فتوى المجمع الفقهي"، وبذلك يصبح ديلرنزو الفقيه الثالث من هيئة المحاسبة الذي ينضم إلى جانب نظام يعقوبي ومحمد داود بكر والذين يشككون في فتوى تحريم التورق المنظم الصادرة من مجمع الفقه.
الدكتور البوطي ويطرح ائتلاف الفقهاء الثلاثة تساؤلات في إذا ما كان ذلك الموقف يمثل الموقف الرسمي لهيئة المحاسبة نفسها.
وفي هذا الصدد يقول محمد نضال الشعار الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والذي فضل تجاهل تلك التساؤلات المباشرة واكتفى بالتصريح بأن: "هيئة المحاسبة لن تعلق أبدا على أعمال المؤسسات الأخرى..فنحن نحترم جميع الأعمال الأكاديمية التي تتعلق بالتمويل الإسلامي والصيرفة... و نحن نرى أن مجمع الفقه سيكون مصدرا رئيسا لأبحاثنا وقراراتنا".
ويذكر أن قطاع المصرفية الإسلامية اهتز في مايو الماضي حين أصدر مجمع الفقه الإسلامي فتوى تقضي بتحريم عمليات التورق المنظم، وهو ما أدى بدوره إلى موجة أولى قوية من الجدال والمناقشات، ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه القضية قد تشير إلى "توتر"، ومحتمل بين مجمع الفقه وبين هيئة المحاسبة، وهي جهاز مقره البحرين ويضع معايير الصناعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
كما هو جدير بالذكر أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي هو مبادرة انبثقت من منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي منظمة إسلامية دولية تتمتع بنفوذ كبير في العالم الإسلامي، لكن ضمن قطاع المصرفية الإسلامية، فإن النفوذ الأقوى والاحترام الأكبر هو من نصيب هيئة المحاسبة.
وكان يعقوبي قد فجر مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكد، بحسب صحيفة "ذي ماليزيان ريزيرف" الماليزية، أن ال 17 بحثاً التي ارتكزت عليها فتوى التحريم الصادرة من مجمع الفقه تكشف عن إجازة هذا المنتج بدلا من تحريمه.
وقال يعقوبي خلال توضيحه الطريقة السريعة التي توصل إليها المجمع نحو قرار التحريم: "إذا كان هناك بحث تم إعداده على عجل وقُدِّم إلى المؤتمر قبل ساعة واحدة من انعقاد الجلسة، فكيف يستطيع الحاضرون قراءته؟ لاحظ أنه كان هناك 17 بحثاً حول التورق مقدمة إلى المجمع"، وواصل: "لقد انتهيت من مراجعة هذه الأبحاث الآن... ومعظم من كتبوها يقولون إن التورق جائز شرعاً...وهم لا يقفون ضده".
وعلى صعيد متصل كانت ورقة عمل قدمت في مؤتمر هيئة المحاسبة والمراجعة الذي عقد في البحرين مؤخرا قد خلصت إلى أن التورق مطلب اقتصادي سليم ضمن عقود شرعية سليمة، مؤكدة أن إلغاءها يعنى إننا قد ألغينا ما هو مشروع بموجب أحكام منزّلة من عند الله، في سبيل الابتعاد عما ليس بمشروع، وردعاً لمن يمارس عقوداً شكلية غير مشروعة.
وأوضح الدكتور محمد سعيد البوطي في الدراسة أن جلّ أحكام المعاملات المالية يدور على ما يسمى اليوم بالتورق، وأن أبواب السّلم، والحوالة، والمرابحة، والصرف، والقراض، والوجوه المشروعة لبيع الديون، كلها سبل فقهية سليمة لاستحصال الأثمان، أي لابتغاء التورق وتعجب من أن تُدانَ كلمة (التورق) مع ذلك بما هي بريئة منه، كالحكم عليها أو على مضمونها بالميسر أو الربا أو بعث أسباب الشلل في أنشطة الاقتصاد، مع أن المستند المصلحي لمشروعية المعاملات التي تهدف إلى استصلاح المنافع، هو ذاته المستند المصلحي لمشروعية المعاملات ذاتها، إذ تهدف إلى استحصال أثمان المنافع، أي التورق.
ورأت الدراسة أن القصد إلى التورق أمرٌ مشروع، جنّد الشارع له طائفة كبيرة من أحكام المعاملات، وأشارت إلى كثير منها، ورأت الدراسة أنه عندما نغلق السبيل إلى التورق، سواءٌ ما يوصف منه بالمنظم وغيره، عقاباً لمن يمارس عقوداً شكلية لا يوجد لها مضمون شرعي، كوسيلة إليه، نكون قد ألغينا ما هو مشروع من استحصال الأثمان بموجب أحكام منزّلة من عند الله، في سبيل الابتعاد عما ليس بمشروع، وردعاً لمن يمارس عقوداً شكلية غير مشروعة.
وشددت الدراسة على أن المنكر الذي تجب محاربته دون هوادة، هو التلاعب بالعقود الشرعية من بيوع ومرابحة وقراض وغيرها والتركيز على محاربة التورط في شكلية العقود والكشف عن خطورتها وأوجه بطلانها، بقطع النظر عن الغاية التي تستخدم لها تلك العقود، وإلا فإننا بحسب الدراسة نكون ممن يأخذ الجار بظلم الجار.