صدر عن المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء, المغرب كتاب "السلفية والليبرالية.. اغتيال الإبداع في ثقافتنا العربية" للمؤلف عبد الله البريدي الذي يتساءل في كتابه كيف يمكن لنا أن نصف الممارسة الإبداعية للسلفية والليبرالية؟ وما هي انعكاسات تلك الممارسة على الثقافة العربية المعاصرة؟ وهل من سبيل إلى الإفلات من قبضة الجمود والتقليد وصولا إلى الإبداع العربي في الجوانب الفكرية والبحثية التي تعد قنطرة للإبداع في بقية المجالات؟. ووفق سعاد سليمان بصحيفة "السياسي الإلكترونية" يعد الكتاب مناقشة بين هذين التيارين بوصفهما تيارين متناطحين في مشهدنا الثقافي المعاصر. والكتاب يتضمن أربعة أجزاء رئيسية هي السلفية والليبرالية بين الفنائية والمائية، السلفية والليبرالية بين تعطيل التحيز وتهميشه، السلفية والليبرالية وضمور الإبداع، ومن السلفية والليبرالية إلى الإبداع . ووفق سكينة بوشلوح في "الجزيرة" يتساءل البريدي: من الذي أعاقنا فعلا عن الممارسة الإبداعية: السلفية أم الليبرالية أم كلاهما، أم تعاقبت كل من السلفية والليبرالية في صدنا عن الإبداع في منعطفات فكرية مختلفة؟ يشير المؤلف إلى أن العقل السلفي عقل مثالي منجذب إلى مجموعة من المبادئ والتشخيص والتفكير، وهذا في حد ذاته أمر إيجابي، ولكن ثمة إشكاليات في التوجه المثالي المفرط، فمن ذلك أنه عقل يميل إلى الاعتقاد بأن الناس ينبغي أن يتفقوا في كل شيء تقريبا، ويضيق ذرعا بالاختلافات نظرا لمحورية القيم وصحتها المطلقة، وهو في الوقت ذاته لم يستفد من السعة الهائلة في الفقه الإسلامي الذي يعد موطنا للتنوع المدهش في الاجتهادات والتطبيقات. كما أن العقل السلفي قد لا يعترف ولا يعالج بعض الحقائق بحجة الحفاظ على المكتسبات القيمية، فهو يسعى دائما لتحقيق "المثال" أو النموذج السلفي في الواقع المعاش بمعايير عالية وتوقعات مرتفعة دون مراعاة للظروف والملابسات في كثير من الأحيان، الأمر الذي جعل المؤلف يقرر دون عناء بأن العقل السلفي "استرجاعي" لا "توليدي" فهو يسترجع الأفكار والتطبيقات من الذاكرة السلفية ولا يصنعها، ويلجأ إلى تعميم الاستثناء عبر انتخاب بعض السلوكيات لبعض السلف، محاولا تعميمها على بقية أفراد الأمة. أما العقل الليبرالي في نظر البريدي فقد أخفق هو الآخر في ممارسة الإبداع، إذ الليبرالية كحركة ورؤية فكرية تنشط في المجتمعات العربية دون أن يكون لها معنى واحد متماسك، الأمر الذي يجعل هذا العقل يعجز عن الوفاء بالحد الأدنى من المنهجية، خلافا لما هو عليه الأمر في الغرب، فهو هناك يجهد لأن يظهر كمقدس للعلم الحديث ومعل لشأنه ومشيد بالموضوعية وحامل للوائها ومتمسك بمبادئها. العقل الليبرالي يتسم -ضمن خصائص متعددة- بنزعة التعامل المرن مع النص الديني، بطريقة يشعر معها الليبراليون بتحقق ذواتهم عبر ممارسة عقلية يرونها متحررة واعية وجالبة لفهوم وأنساق جديدة للنص، لينعتقوا بذلك من شرنقة النصية الضيقة التي يرمون بها خصومهم من السلفيين، وهم في ذلك يميلون وبدرجات متفاوتة من الحماس إلى اقتحام منطقة النص الديني بالأساليب الخاطئة، ويخفقون في اقتحام الفضاءات الواسعة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية والحقول الفكرية المتنوعة، وهي التي تفتقر إلى الإبداع في عالمنا الإسلامي. ووفق صحيفة "السياسي" يختتم البريدي كتابه بقوله: نحن في حاجة ماسة إلى ذلك السبيل الجديد، الذي يتمثل في الإيمان الجسور في "الإبداع" الممزوج بالأنفة الثقافية، والمشبع بالتحيز الواجب نحو تراثنا العربي الإسلامي - بثوابته ومنطلقاته ومنجزه ونفسه الحضاري - وبالقدرة الفائقة على التعرف على تحيزاتنا نحن وتحيزات الآخر التي تتسرب إلينا من جراء عمليات المثاقفة، مع جاهزيتنا الوجدانية والفكرية للتعارك مع تلك التحيزات بغية التخلص من أكبر قدر ممكن منها، بشرط الإفادة الشاملة والمستوعبة للنتاج المدهش والقدرات الهائلة التي يتوافر عليها مفكرو المستوى الثالث في تفتيت التعقيد وصنع سلم أولويات ذكي بمؤشراته الكمية والنوعية وابتكار المصطلحات التي تعبر عن احتياجاتنا الملحة للإبداع والعدالة والحرية وتكريم الإنسان وتنميته واحترام حقوقه.