جمود العقل المسلم وتحديات العصر في كتاب محيط - خاص غلاف الكتاب صدر مؤخرا كتاب جديد تأليف أسامة عكنان بعنوان " تجديد فهم الإسلام" عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع في 448 صفحة. يقول المؤلف في مقدمة كتابه: إن أي حديث عن النهضة إنما يقوم في الأساس على الاعتراف غير القابل للجدل بحالة التَّخلف، باعتبارها حالة الواقع الذي نسعى للنهوض به. إن هذه الحالة التي نتحدث عن ضرورة التخلص منها بالنهضة، إنما حدثت في الأصل بسبب عدم قدرة أفكارنا على التجاوب مع متطلبات واقعنا في صيرورته التاريخية، كما فرضت نفسها علينا في خضم أشكال المواجهات والصراعات المختلفة التي نَسْبَحُ في أتونها. لا يمكن لأمة أن تنهض ما لم تنطلق في معركة نهضتها من معالجة النقطة التي سببت الانحدار والتخلف، ألا وهي البُنْيَة الفكرية والمعتقدية والثقافية التي حصل ذلك الطلاق المُرَوِّع بينها وبين حركة الواقع، مؤديا إلى ذلك الانحدار. وعلى غلاف الكتاب نقرأ: إن مفهوم النهضة يثير في الذهن كثير من التساؤلات التي نحسبها على قدر كبير من الأهمية والدلالة. فسؤال: لماذا يتعين علينا أن ننهض؟! يظهر للوهلة الأولى كنقطة بداية تكشف عن ضرورة اعترافنا بأننا في حالة سقوط مروِّعَة، يفصلنا بسببها بَوْنٌ شاسع عن حالة النهوض المُسْتَهْدَفة!! ولكن أليس من الواضح أن حالة السقوط هذه لا يتم إدراكها إلا بإدراك نقيضتها، ألا وهي حالة "النهوض"؟! فمن لا يرى مفهوم "النهوض" ماثلا أمامه ومتمثلا في حالة، لا يستطيع أن يدرك أنه ساقط، عبر مقارنة حالته بالحالة الماثلة أمامه. استوقفتنا ظاهرة غريبة في تعاطي المسلمين مع قضاياهم المصيرية، أوضحتها لنا وجَلَّتْها، قضية احتلال العراق عام 2003، بل وقضية العراق عموما منذ زلزال الثاني من آب / أغسطس عام 1990. فمَعْقِلَ الوهابية التي نعتبرُها وكثيرون غيرُنا، الاجتهادَ الديني الأكثر جمودا ورفضا للتجاوب مع ما استجد وفُرِضَ على الأمة من قضايا ومسائل في هذه العصور، تتطلب أكثر بكثير من مجرد الاجتهاد الفقهي الضيق المعنى. هذا المعقل احتضن في الوقت ذاته "النقيضين" معا. من عباءة الوهابية من عباءة الوهابية ذات الجذور السلفية، بالمعنى السائد لمصطلح "سلفية"، أي تلك الفئة من المسلمين التي تريد سحب الحاضر إلى الماضي بالتركيز على إعادة صورة المعتقدات الإسلامية وما يتعلق بها من عبادات وسلوكيات، إلى ما قرره السلف، استنادا إلى التركيز على ما تصفه بأنه أحاديث نبوية صحيحة، مقروءة ومشروحة في ضوء العقيدة التيمية "نسبة إلى ابن تيمية"، المرتكز ابتداء إلى ما يقال أنه تصورات فقهية ومعتقدية حنبلية "نسبة إلى الإمام أحمد ابن حنبل". من هذه العباءة الدينية المضطربة مُعْتَقديا، لتأرجحها بين ماضٍ لا تريد التخلي عن أيٍّ من تفاصيله، وحاضر تعيشه مُكْرَهَة ورغما عنها، لكنها ترفض معايشته ولا توافق عليه، انبثق إلى حيز الوجود اجتهادان متعارضان أشد التعارض، إلى درجة استحالة تَقَبُّل العقل السَّوِي لواقعة أنهما يؤولان إلى المرجعية السلفية التيمية الوهابية العَصِيَّة على الازدواجية الاجتهادية نفسِها. فالوهابية السلفية السياسية والمؤسسة الدينية المرتبطة بها، وجدت في مرجعيتها الدينية ما تبرر به استقدام القوات الأميركية والحليفة إلى أراضيها، وتقديم كل التسهيلات لها لضرب العراق وشعبه واحتلاله، بحجة إسقاط نظام حكم العراق بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تعاملت معه بوصفه حزبا متجبرا وطاغيا وكافرا، في تجاهلٍ غير مفهوم لكل أدبيات "السلفية" الداعية إلى التكاتف والتعاون بين المسلمين، وهو ما تمارسه تلك السلفية السياسية ببذخ عندما ترصد موازنات ضخمة من أموال البترودولار، لدعم طلاب العلم الديني وحفاظ القرآن ومروجي كتب التراث، في كل مكان على وجه الأرض. الوهابية السلفية ذاتها، ولكن في جناحها غير السياسي هذه المرة، هي التي راحت تُكَفِّر بلا هوادة كلَّ من يقبل مجرد قبول فكرة التعامل مع القوات الأميركية في العراق، بل وكلَّ من لا يعتبر الأنظمة الخليجية أنظمة كافرة ومرتدة عن الإسلام، لقبولها ضرب المسلمين بقوات أسمتها صليبية حاقدة، وتصدت بنفسها لمقارعة الأميركان وحلفائهم، آخذة في طريقها الأخضر واليابس، دون تمييز بين بريء وغير بريء. إن هذه المسافة الموقفية والسلوكية الشاسعة بين اجتهادات على هذا القدر من الاختلاف والتنافر، ضمن دوائر مرجعية معتقدية واحدة، لا يمكنها أن تكون مفهومة ومعقولة وطبيعية، وهي تدفع أنصار كل اجتهاد إلى تكفير أنصار الاجتهاد الآخر، وشحذ السيوف ضدهم. ويتساءل المؤلف: تُرَى هل أخطأ الكثيرون من دارسي الحضارة الإسلامية عندما أرجعوا ركودها في القرون العشرة الأخيرة إلى هذا النوع الغريب وغير المفهوم من تَصَلُّب شرايين الفكر، الناتج في الأساس عن الحفظ الأعمى للنصوص، وعن الالتزام المتعصب بما قاله الأولون والسابقون، رغم أن القرآن الكريم الذي يمثل المرجعية الأم عند المسلمين، لا تضاهيه مرجعية في العالم في تمرده على السابقين وفي رفضه الإتِّباع الأعمى للآباء والأجداد؟ المسلم يقمع عقله إن الإنسان العربي تحكمه مجموعة من الذهنيات التي تُسْهِم في تشكيل أدائه وفي تكوين طرائق تفكيره وأنماط ردات فعله على ما يواجهه من متغيرات وأحداث في واقعه. مثل ذهنية "الأُلْفَة" وذهنية "الخوف" وذهنية "التَّميُّز" وذهنية "القمع".. إلخ. وإن لكل ذهنية من هذه الذهنيات دلالاتها في الواقع الموضوعي، وهي عندما تتفاعل مع بعضها البعض فإنها تُنْتِج في هذا الواقع أداءاتٍ تظهر على شكل محاربة للتفكير وللتعقل، أو بكلمة أخرى، تظهر على شكل محاربة لاستخدام العقل عموما. خلاصة القول أن الإنسان المسلم يشعر بألفة دائمة وحميمة مع ما هو سائد من فهم للإسلام، ويحس بأن تميزه في العالم قائم على بقاء هذا المألوف وعلى استمراره في حياته بصورته التي أَلِفَها تلك، فيخاف من أية محاولةٍ تَنْصَبُّ باتجاه المساس بالصورة المألوفة لإسلامه، لأنها محاولة لا تُقرأ في لا وعيه إلاَّ تحت عنوانِ هذا المساس بمألوفاته وبتميزه بالتالي. فَيُحاَرِبُ وعيه دفاعا مستميتا عمَّا هو كامن في لا وعيه، كلَّ من يتصدى لهذه المهمة – مهمة المساس – ويقمعه بكل ما أوتي من قوة. من جهة أخرى يتجلى القمع الذي تمارسه ذهنية الإنسان المسلم ضد العقل بوصفه عدوا لمألوفها ولتميزها، لا بصورة مباشرة من خلال كل إنسان مسلم يعاني من وقع هذه الذهنية ومن تحكمها في فكره وفي سلوكه، بل من خلال المؤسسات والبُنىَ مختلفة الأشكال، والتي تُعْتَبَر تكثيفا لِلاَوَعْيِه، ونائبةً عنه في التعبير عن ذلك القمع. فكم يبدو مُؤْسِفاً أن نعترف بأن أكثر الناس تميزا في زماننا هم أولئك الذين يأتون من بلدانهم لزيارة حجارتنا ومعالم ماضينا، مبدين كل إعجابهم وانبهارهم بها وسعادتهم برؤيتها، بينما نذهب عندما نذهب إليهم لرؤية معالم مدنيتهم وحضارتهم الحالية. إنهم يعرضون علينا حاضرهم في أكثر صوره إشراقا وانطلاقا، ونحن لا نملك سوى ماضينا نعرضه عليهم، محاولين كل ما في وسعنا تبييض السواد الذي فيه، بدل بذل هذا الجهد في محاكاة قيم انطلاقهم إلى فضاءات المستقبل المذهلة، فيما تعتبر محاكاته مطلبا ضروريا للتقدم والرفعة والنهضة. أفكار مظلمة إن هناك سلسلة ضخمة في واقعنا تقيد السماء والأرض معا. لكن قيدَ الأرض نتج عن قيد السماء، وبالتالي فإن تحرر الأرض من القيد الذي ترزح تحته، لن يتحقق إذا بقيت السماء مقيدة. وإذن فيجب أن نفك قيد السماء أولا، هذا القيد القاسي الذي قيدناها به، فأسقطته علينا قيدا أشد قسوة في انتقامٍ نعاني من وطأته معاناةً لم تعانها أمة من الأمم. نعم، هذه هي البداية، إنها تحرير السماء من ظلمة أفكارنا وتصوراتنا الهَشَّة عنها وعن علاقتها بالأرض، إنها في إعادة بناء منظومة تفسيرية قادرة على تفجير كافة التعارضات والتناقضات التي أقامها وشيدها في علاقة الأرض بالسماء هذا القيد السَّلفي التَّقليدي المُرْبِك بكل اتجاهاته وأجنحته القديمة سنية وشيعية، ومن بعده، هاتين السلسلتين الأشد إرباكا، والأكثر إمعانا في النكوص وفي التراجع، الوهابية بين السنة من جهة، والصفوية بين الشيعة من جهة أخرى. ومن فصول الكتاب نذكر:العقل، الله، الروح، البعث والحياة الآخرة، النبوة، قراءة جديدة في مصادر التشريع الإسلامي، المنهج القرآني في إقرار تطور الأحكام الاجتماعية، من أين ينطلق التشريع الإسلامي، من العقل أم من النقل؟، النظام الاقتصادي القرآني في ضوء الثابت والمتطور في النظم الاجتماعية، نظام الحكم والحريات العامة من المنظور المذهبي الإسلامي، نظام العقوبات القرآني بين الثابت والمتغير، العقاب والنعيم بعد الموت.