لندن: في كتاب "باكستان الخط الأمامي" الصادر عن دار توريس بلندن تأليف زاهد حسين وترجمة كمال حسين البيطار يقول المؤلف: في البداية كانت باكستان مفهوماً ، فالبلد ولد من حلم شاعر هندي، محمد إقبال. وقد رأت باكستان النور في أغسطس عام 1947، بوساطة الأب المؤسس محمد علي جناح في فترة التقسيم الدامي لامبراطورية الهند. وقد طبع التاريخ الداخلي لهذه الأمة الفتية بالعديد من القفزات السياسية الفجائية، اليوم في ظل الحرب الأميركية ضد أفغانستان، تعتبر الولاياتالمتحدةباكستان حلقة رئيسية في الصراع ضد تنظيم القاعدة ونظام حركة طالبان. بالنسبة لواشنطن كما جاء - بصحيفة "المستقبل" اللبنانية - قدمت إلى الجنرال مشرف البراهين التي تمكنه من تعزيز وضعه في مواجهة الإسلاميين، وبشكل خاص الضباط في الجيش الذين يتخوفون من المنحى الذي اتخذته الحرب ضد نظام طالبان، ومن الخسارة المحتملة "للعمق الاستراتيجي" الذي اكتسبته باكستان في أفغانستان. وكانت إدارة الرئيس بوش رفعت الحظر الكامل على العقوبات الاقتصادية التي فرضت على باكستان عقب قيامها بالتفجيرات النووية في عام 1998، وحدوث الانقلاب العسكري عام 1999. ووفقا للكتاب قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، كان أصحاب القرار في الإدارة الأميركية يدركون أن باكستان هي مركز أقوى شبكة إسلامية متشددة في العالم. وبعد سبعة أعوام على التعاون بين واشنطن وإسلام آباد، لم يضعف نفوذ حركة طالبان على الحدود الباكستانية الأفغانية، ولا يزال قادة "طالبان" ينعمون بملاذ آمن بباكستان، ولا يزال الاسلاميون يشنون الهجمات في باكستان وخارجها. يقول الكاتب زاهد حسين - وفقا لنفس المصدر - كان الرئيس مشرف قد اعترف في لقاء صحفي أن أمريكا هددته بقصف باكستان وتشديد الخناق والتضييق على بلاده ما لم "يتعاون" مع واشنطن في حصار القاعدة والقبائل الباكستانية على امتداد الحدود مع أفغانستان التي فيها نشأت ومنها انطلقت طالبان بصفتها تنظيماً دينياً سياسياً عسكرياً تمكن من توحيد الشطر الأعظم من الشعب الأفغاني واستطاع أن يبسط حكمه وسلطانه على 96% من أرض أفغانستان قبل ان تأتي حرب جورج بوش الابن على الإرهاب ويشن الحرب على الأفغان ويطيح بطالبان لينشأ عن هذا كله وضع جديد بالغ التعقيد حيث بعثت طالبان في أفغانستان بعد أن أعادت تنظيم صفوفها وحشد قواها وبدأت تسدد للتحالف الأميركي الأوروبي ضربات موجعة. وقد أذعن الجنرال مشرف لمطالب الإدارة الاميركية، وأكد استعداده لتلبيتها جميعاً خلال لقاء جمعه بالرئيس جورج دبليو بوش. استمرار الحرب على الإرهاب في أفغانستان، باتت تشكل عبئاً على الجنرال برويز مشرف الذي أضحى نظامه مهدداً بسبب استمرار العمليات العسكرية فترة طويلة. فقد بدأ الجنرال مشرف يضيق منذ ذلك الحين ذرعاً من شدة الضغوط عليه، مشبهاً الحرب بالمستنقع، وحذر من استمرار تدفق اللاجئين الأفغان إلى الأراضي الباكستانية لأن ذلك يفرض ضغوطاً اقتصادية واجتماعية على بلاده. بعد سبع سنوت من حرب أميركا على الإرهاب في أفغانستانوالباكستان، تزداد الأحزاب الباكستانية الاسلامية قوة وتزدهر المدارس الدينية من دون أن تتدخل الحكومة. ويتدفق عناصر طالبان عبر الحدود للانقضاض على الوضع الهش في أفغانستان، ولا تزال المعارك الكشميرية مستمرة. وما تزال باكستان تقول شيئاً وتفعل غيره، بالرغم من وعودها الكثيرة لاخراج المسلحين الإسلاميين من أراضيها. أمام تزايد الضغوطات الخارجية والداخلية على الرئيس برويز مشرف منذ عام تقريباً، والتي كانت تطالبه بالتنحي عن السلطة، انحنى هذا الأخير أمام العاصفة وأعلن تنحيه عن الرئاسة، ودافع في خطاب متلفز للأمة عن ادائه خلال 9 سنوات في قيادة البلد، وأعرب عن قلقه البالغ على مستقبل باكستان، طالباً الصفح من الشعب، وأدى رئيس مجلس الأعيان اليمين الدستورية رئيساً بالوكالة. وقال مشرف أنه خدم بلاده طوال الاعوام الماضية "بأفضل صورة" وأنقذها من أن تصنف "بلداً فاشلاً" وأشار إلى أنه استقال من منصبه رئيساً بعد مشاورات مع حلفائه السياسيين ومستشاريه القانونيين، حرصاً على سلامه البلاد، ولتجنبها الشقاق والانقسام، ودعا القوى السياسية إلى المصالحة ونبذ الفرقة والمواجهات. وقال أنه يترك مصيره بين أيدي الشعب الباكستاني. يقول الكاتب زاهد حسين: ندرة هم قادة العالم الذين نذروا أنفسهم لخدمة أميركا في حربها على الإرهاب، ولبرويز مشرّف أن يباهي بأنه قدم لهم أنفس الأعطيات على مذبح هذه الحرب وكان نتاجه باهراً في هذا المجال ولا غرو في ذلك، إذ اصطادت قواته الأمنية عديد من أخطر الأدمغة المفكرة في تنظيم القاعدة ونفراً من أهم قادته، مثل خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة، وهما من أبرز العقول المدبرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر إلا أن هذه الضراوة البالغة في عدائه للقاعدة وشراسته في تعقبها واستئصال شأفتها وتسليم كبار رئوسها لأمريكا، صاحبها من ناحية أخرى فتور في مقارعة الإرهاب في باكستان ذاتها. ويبدو أن مشرّف تهيّب فتح كل الجبهات وإشعالها دفعة واحدة.