لندن: يقدم الكاتب البريطاني جوناثان كوك، العضو السابق في هيئة تحرير صحيفة "الجارديان" و"الأبزرفر" البريطانيتين، في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان "إسرائيل وصدام الحضارات" ترجمة عمر عدس تحليلاً دقيقاً لتاريخ العلاقة بين الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل. ويشكل التحالف الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة الأميركية، أحد العناصر الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية. وكانت الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض تعتبر أن دعم إسرائيل والحفاظ على تفوّقها العسكري والتكنولوجي ثابت من ثوابت الاستراتيجية الأميركية. والحال هذه فإن الولاياتالمتحدة الأميركية ملتزمة أمن إسرائيل، ومنع أي تحوّلات عربية أو إقليمية، تقلب ميزان القوى الراهن. وهذا يعني أن النظرة الأميركية متطابقة مع النظرة الإسرائيلية، التي تعتبر أن مصادر التهديد، في الوقت الحالي، وفي المستقبل، تكمن - كما أشارت صحيفة "المستقبل اللبنانية" - في القدرة العسكرية العراقية سابقاً، والإيرانية حالياً. وعلى الرغم من غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، فإن إسرائيل ظلّت تنظر إلى المحيط الاستراتيجي الإقليمي "سوريا وإيران وحزب الله" على أنه مفعم بمصادر التهديد، بسبب رفض إيران مسيرة السلام الأميركية الصهيونية، وعدم توصل سوريا إلى إبرام اتفاق مع إسرائيل، على غرار مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، وخروج العراق عن هذه الدائرة كلها. وفي عام 1994، بعد شهور من إشاعة صمويل هنتنجتون لمصطلح "صدام الحضارات"، أولاً ضمن مقالة نشرها في مجلة الشئون الخارجية، بدأ رابين، بيريز، وباراك باستخدام المصطلحات نفسها، مدعين أن الغرب والإسلام محكومان عليهما بأن يظلا في حالة مواجهة دائمة. طرحت إسرائيل نفسها إذن كمركز للحضارة اليهودية المسيحية محاط ببحر من البرابرة المسلمين، وتبنى الرئيس الأميركي جورج بوش الممارسات الإرهابية التي يتبناها ويبشّر بها رئيس الوزراء الصهيوني آرييل شارون. فقد زعمت واشنطن - وفقا للمؤلف - أن شارون يحارب الإرهاب، وأنه ينوب عن أميركا في هذه المهمة، وأنه لذلك يستحق مساندتها، ومساندة المتجمع الدولي، في القضاء على المنظمات الإرهابية الفلسطينية حسب ادعائها. وأعلنت واشنطن من جانبها قائمة بأسماء المنظمات الارهابية، وهي: حماس، الجهاد، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كتائب الأقصى التابعة لفتح وحزب الله في لبنان. وفرضت حظراً على سوريا، لاتهامها بمساندة هذه المنظمات، وطالبت الوطن العربي بأن ينضم الى معسكر السلام، الذي يقوده الكيان الصهيوني ضد معسكر الإرهاب الذي يمثله عرفات. ويدحض الكاتب الفكرة التي تقول بأن الولاياتالمتحدة أرادت تصدير "الديموقراطية" إلى العراق، فهذه ليست إلاّ ادعاءات جوفاء، بدليل أن الولاياتالمتحدة عمدت إلى معاقبة جمهور الناخبين الفلسطينيين، حين مارس خياره الديموقراطي، وانتخب حماس. وقد بدا واضحاً بصورة متزايدة أن إدارة بوش كانت تنوي الاستيلاء على معظم ثروة العراق النفطية، ومنح الشركات الأنجلو أميركية حق نهب الثروات من حقول العراق النفطية العديدة على مدى المستقبل المنظور. بل إن الرئيس بوش تجرّأ في أواخر سنة 2006 على ربط الاحتلال بالنفط، مدعياً ان القوات الاميركية إذا انسحبت منه، سيحاولون الضغط على الولاياتالمتحدة لكي تتخلى عن تحالفها مع إسرائيل. وقال إن المتطرفين سوف "يتمكنون من سحب الملايين من براميل النفط من السوق، مما يدفع الأسعار الى بلوغ 300 أو 400 دولار البرميل". ويستشهد مؤلف الكتاب برأي الأستاذين الجامعيين الأميركيين جون ميرشايمر وستيفن والت، والتي نشراها في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس"، والتي ذكرا فيها أن اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة، نجح في دفع السياسة الخارجية الأميركية في اتجاه مدمّر للذات تماماً، وجعلها تضع المصالح الإسرائيلية فوق مصالح واشنطن، وتسعى لتحقيق الأهداف الإسرائيلية متخطية الأهداف الأميركية. وكما قال هذان الأستاذان: "لقد عملت الحكومة الإسرائيلية والجماعات الموالية لإسرائيل في الولاياتالمتحدة معاً لتشكيل سياسة الإدارة الأميركية إزاء العراق، سوريا وإيران، وكذلك تشكيل خطتها الكبرى الرامية الى إعادة ترتيب الشرق الأوسط. وما جعل ذلك ممكناً هو النفوذ الطاغي الذي يمارسه اللوبي الموالي لإسرائيل على السياسة الأميركية".