بيروت: صدرت مؤخرا الطبعة العربية من رواية "مذكرات من نجا" للكاتبة البريطانية دوريس ليسينج التي وصفتها الكاتبة بأنها "محاولة لكتابة سيرة". وكما يقول الناشر فإن الرواية هي مذكرات تلك المرأة اليومية، وهو نظرة سريعة على مستقبل أكثر ترويعاً من حاضرنا، وعلى القوى الوحيدة القادرة على إنقاذنا من تدمير كامل. تجري أحداث الرواية الصادرة عن الدار العربية للعلوم- ناشرون بالإشتراك مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالإمارات في مدينة ما توقفت فيها جميع الخدمات، وانتشرت فيها الفوضى، وأصبحت السلع نادرة. تعيش الراوية وهي امرأة لا نعرف اسمها في إحدى الشقق، وتفكر بالرحيل عن المدينة التي عصفت بها الأحداث العنيفة والفوضى، من نافذة شقتها التي تطل على الرصيف، تراقب المرأة تفكك العالم أمامها، تشهد الدمار الذي يحل ويمتد أسابيع وشهوراً. يختزل الرصيف مأسوية المدينة المدمرة، التي تخلى عنها سكانها تدريجاً، فالعصابات تجتمع عند الرصيف، تشعل النار وتطهو ما تأكله، وهنا يلتقي الناس الباحثون عن أخبار جديدة، وعما ستؤول إليه الأوضاع. في يوم ما تناط بها مسئولية الاهتمام بطفلة في الثانية عشرة من العمر تدعى إميلي، الطفلة التي يتركها شخص ما عندها، طالباً الاعتناء بها ويختفي، من دون أن يتسنى لها الموافقة أو الرفض، وفي خضم الفوضى التي تعم المدينة، يصبح ترك الفتاة وفقاً لتلك الطريق عبث. تقول الساردة - وفق جريدة "الحياة" اللندنية -: "إن محاولة التمرد على واقع كهذا يشبه البصق في وجه إعصار" إشارة إلى أنه لا جدوى من الاحتجاج. لدى إيميلي حيوان غريب نصفه قطة ونصفه الآخر كلب يدعى هوغو. تصف لنا الرواية حياة هؤلاء الثلاثة في فترة زمنية تمتد إلى ثلاثة أعوام تقريباً تقيم خلالها إميلي علاقة مع زعيم عصابة من الشبان. تحكي الرواية باستمرار، بين مقطع وآخر، عن جدار يخفي خلفه حجرات، مع ناس يعيشون فيها، وفي كل ولوج لها إلى ذلك العالم نلقاهم في وضعيات مختلفة. غير أن الحياة التي تنمو خلف الجدار الغامض، ليست جديدة على الساردة، إذ هي محفورة في ذاكرتها منذ وقت طويل، قبل أن تدرك ماهيتها. تشغل اميلي حياة الساردة خوفاً عليها ومنها، وتتحول حياة الطفلة إلى ما يشبه الشريط السينمائي، الذي تراه المرأة خلف الجدار الغامض لغرفة الجلوس. في ذلك الوضع تنصرف الساردة إلى التفكير في شيخوختها، التي يخيف الطفلة ويمثل لها حافزاً في التقدم إلى الأمام. تلمح المرأة في عيني الطفلة غروب حياتها، سأمها وانسحابها من الحياة تدريجاً، فيما اميلي تشهد العكس، حماسة في تحقيق رغباتها، تنطلق من الطفولة إلى عالم الفتيات. في مواجهة الدمار والزوال تحضر مؤسسة السلطة ومن يمثلها، على لسان المرأة، بصفتها المسئولة عما يحدث. فالحكومة ومن في حكمها يعيشون كأن لا شيء يحدث، في محاولة لإبعاد كل ما هو سيئ في أحاديثهم ورغباتهم وتشريعاتهم، فالاعتراف بما يحدث، معناه: "الاعتراف بلا جدوى وجودهم والاعتراف بالأمن الإضافي الذي يتمتعون به، وكل ذلك ليس سوى الآلية الأقوى للاحتفاظ بالمجتمع أولاً، ثم الهيمنة عليه والعمل لتدميره وانهياره". تصف ليسينج هذه الرواية بأنها محاولة في السيرة الذاتية. وفيها تعالج الكاتبة مظاهر من طفولتها التي حذفتها على نحو واضح من رواية "مارتا كويست" إذ تبدأ الرواية والبطلة في سن المراهقة. وقد أشارت ليسينج في بعض المقابلات الصحفية إلى العلاقة الصعبة التي كانت تربطها بأمها. تأتي الكاتبة في الصف الأول من صفوف الكتاب الذين أصدروا أكثر من ثلاثين كتاباً في عشرين سنة، لها خمس عشرة رواية واثنتا عشرة مجموعة قصصية وأربع مسرحيات وأكثر من ديوان شعر إضافة إلى خمسة كتب في النقد، إلى جانب الكثير من القصص والقصائد والمقالات التي لم تظهر بعد في كتاب. تقول ليسنج في كتابها: كانت نشرات الأخبار والصحف تواصل الحديث أياماً طويلة عن طفل واحد اختطف من عربته، ربما خطفته امرأة مسكينة تعيسة، وكان من شأن رجال الشرطة تمشيط الضواحي والريف بأعداد تصل المئات يبحثون عن الطفل والمرأة لمعاقبتها. أما الخبر الثاني، فيحكي عن موت مئات من الأشخاص ثم آلاف ثم ملايين دون أن يلتفت إلى موتهم أحد. هنا تقول الكاتبة: إننا لا نزال نؤمن ونريد أن نؤمن أيضاً، أن الشيء الأول وهو القلق من أجل طفل واحد مخطوف وضرورة معاقبة المجرم – الفرد، هو الشيء الذي يرمز إلينا حقاً، أما الشيء الثاني وهو الكوارث وموت الملايين من البشر، فهو مادة إخبارية لا ينظر إليها أولئك البعيدون عن منطقة الخطر، وهي بالتالي مجرد حادثة ثانوية "قد" يؤسف عليها بكلمة عزاء خاطفة ثم تنتهي الى النسيان! حازت الروائية دوريس ليسينج على جائزة نوبل في الأدب لعام 2007، وهي الروائية التي انتشرت كتاباتها في القارات جميعها، ووصفت الأكاديمية المؤلفة البريطانية بأنها "شاعرة ملحمية للتجربة النسائية أمعنت النظر في حضارة منقسمة، مستخدمةً الشك وقوة الرؤية والتوقد". وذكرت الأكاديمية في بيانها أن لجنة الجائزة اختارت مكافأة الكاتبة التي تتحدث عن قضايا المرأة واستطاعت بقوة رؤيتها إخضاع حضارة منقسمة علي نفسها إلي الفحص والتدقيق وتقدر قيمة الجائزة بعشرة ملايين كرونة سويسري أي ما يعادل نحو 1.53 مليون دولار.