لندن: صدر مؤخرا كتاب "الشاب ستالين" من تأليف الكاتب البريطاني سيمون سيباج مونتيفيور تناول فيه جوانب إنسانية في حياة الزعيم السوفيتي المعروف بالقسوة والديكتاتورية لم تكن معروفة من قبل ، وقد نال الكتاب المذكور بعد صدوره جوائز عديدة علي رأسها جائزة كوستا الأدبية. وقد اعتمد المؤلف على كم هائل من الوثائق الرسمية التي سمح الكرملين للكاتب مونتيفيور بالاطلاع عليها فضلا عن السماح له بالتفتيش عن الوثائق ذات الصلة في أرشيف جورجيا حيث نشأ الزعيم السوفييتي. يروي الكتاب الذي يقع في نحو خمسمائة صفحة - وفق جريدة "الدستور" الأردنية في عددها الصادر اليوم السبت - نشأة جوزيف جوغاشيفيلي "قبل أن يصبح اسمه جوزيف ستالين" كصبي شديد الصلابة، ويتعرف القارئ خلال صفحات الكتاب علي الشخصية القاسية لوالد ستالين الذي لا نعرف عنه الكثير سوى انه أب مدمن علي الخمر وذو قلب قاس. وعلى نقيض ذلك فقد كان هناك دائما حضن الأم الحنون التي رعته وعاملته برقة محاولة تعويض القسوة والجفاء اللذين لاقاهما ستالين الصبي علي يدي أبيه. وحرصت والدته على رعايته حتى يشتد عوده ويقوى على مغادرة مدينة جوري الجورجية ويبدأ حياته الجديدة. وفي الكتاب أيضا يتعرف عليه القارئ شاعراً ومغنياً ويصف الكاتب الصوت الشدي الذي تمتع به ستالين وما عرف عنه من مشاركته في الغناء في حفلات الزواج مقابل أجر عندما كان شابا صغيرا. ولم تقتصر اهتمامات ستالين على الغناء فقط إذ يقول الكاتب بأن ستالين كان من القراء الشرهين وكان معجبا بالأعمال الفنية لكبار الأدباء والروائيين مثل تشيخوف وبلزاك وحتى كتابات افلاطون. وينقل مونتيفيور عن الوثائق التي عثر عليها في إطار بحثه عن بدايات هذا الشاب بأن ستالين كان غالبا ما ينزوي في غرفته ليقرأ تلك النصوص الأدبية علي ضوء الشمعة، بينما كان يخفي الكتب التي يراها ممنوعة بين حزم الخشب المعدة للتدفئة. وعرف عن ستالين أيضا اهتمامه ودراسته المعمقة للغة "اسبرانتو" وهي لغة أوروبية اصطناعية تميزت بالسهولة اخترعها احد الأوروبيين الشرقيين أواخر القرن التاسع عشر واعتقد ستالين أنها ستكون لغة المستقبل. يتساءل المؤلف عند وصوله إلي المرحلة التي تشهد تحولا في شخصية ستالين: أين ارتكب هذا الرجل الخطأ؟ ويجيب الكاتب قائلا أن أسبابا عديدة دفعت بالزعيم ستالين لأن يصبح ذلك الدكتاتور القاسي غير أن سببين بتقديره تركا تأثيرا كبيرا علي شخصيته أولهما كان المنفى المظلم والموحش الذي قضي فيه ستالين فترات طويلة من شبابه. وعلي الرغم من اعتراف الكاتب بأن ستالين كان واحدا من أساتذة التمويه، من بينها التخفي بزي النساء، بيدّ أن ذلك لم يحمه من الوقوع في شراك الشرطة السرية لقيصر روسيا. غير أن إلقاء القبض علي ستالين لم يمنعه دائما من الفرار والوقوع في السجن ثانية وثالثة. لكن أقسى تجارب ستالين وقعت له عند إرساله إلى المنفى في سيبريا وتركه وحيدا في كوخ متهالك في درجة حرارة منخفضة وصلت إلى خمسين درجة مئوية تحت الصفر. أما السبب الثاني فيتعلق بالأجواء السياسية التي عاشها ستالين قبل نجاح الثورة البلشفية عام 1917 حيث تعرضت الدائرة الضيقة لأصدقائه إلى اختراق كبير من رجال الشرطة السرية القيصرية. ويروي الكاتب كيف أن اثنين من ستة بلاشفة "من بينهم ستالين" كانوا قد وصلوا إلي البرلمان عام 1912 في عهد القيصر كانا يعملان لحساب الشرطة السرية. ويقول الكاتب لم يعرف عن ستالين في بداية الثورة سوى أنه كان احد رجال حماية الزعيم لينين وكان منخرطا بشكل مكثف في إعادة بناء المطابع الصحفية البلشفية التي كانت قد دمرت على أيدي القوات الحكومية. ويرسم مونتفيور صورة حية عن ستالين، بإشاراته إلى حالات الجنون واليأس التي ميزت عهد روسيا القيصرية الذي عاش فيه ستالين وزملاؤه من البلاشفة، وأسلوب المؤامرات الذي أصبح سمة للحكومات التي تعاقبت على الحكم في روسيا السوفيتية بعد ذلك. ولد جوزيف فيساريونوفيتش ستالين في 21 ديسمبر 1879 وتوفى في 5 مارس 1953 ويعد القائد الثاني للإتحاد السوفييتي. ففي فترة توليه السلطة، قام بقمع وتصفية خصومه السياسيين بل وشمل القمع والتصفية كل من كانت تحوم حوله الشكوك. قام بنقل الإتحاد السوفييتي من مجتمع فلاحي إلى مجتمع صناعي مما مكن الإتحاد السوفييتي من الانتصار على دول المحور في الحرب العالمية الثانية.