يرى الكاتب الفرنسي ميشال بيالو أن عالم الاجتماع جيرار موجير قد استعاد سلسلة من الدراسات التي نشرت منذ منتصف السبعينيات حول مسائل "العصابات" و"الانحراف" و"الهامشية" المدينية في كتابه المثير للضجة "ثقافة الشارع وتحليل الحياة اليومية للشباب"، ليلقي من خلالها ضوءا ساطعا وجديدا على المعنى الاجتماعي للمواجهات التي تدور في الأحياء المصنفة "حساسة". ووفقا لفابيولا بدوي بجريدة "الوطن" السعودية يطرح الكتاب السؤال حول الخطب التي تلقى على هؤلاء الشبان والمعالجات التي جرى توفيرها لهم منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ويشتمل كذلك على نتائج الدراسات الميدانية التي قام بها الكاتب نفسه منذ السبعينيات حول "أشقياء" الضواحي الباريسية، وصولا إلى أعمال الشغب التي انفجرت ذات يوم في فرنسا كلها. ويحاول جيرار موجيه إدراج انفجار العنف في سياق تاريخ: ظروف معيشة الطبقات الشعبية بمجملها، ولاسيما أقل الفئات تأهيلا، والتصورات التي يبنيها الخبراء مع مرور الزمن، والتصنيفات التي ساهمت في تعميق "المشاكل" أو في صياغة "الحلول". فيظهر الاستمرارية مع التغير، أي استمرارية اللجوء ضمن العصابات إلى العنف الجسدي والسعي للمواجهة وتأكيد قيم الفحولة التي ستتفاقم في ظروف متصاعدة من التقهقر والتقريع. لكن التحليل يبرز ايضا وجود مجموعات ثانوية تخترقها توترات تؤدي إلى انطلاق أعضائها في اتجاهات مختلفة، تغييرات ترتبط في الأساس بالتقلب في ظروف حياة الطبقات الشعبية، واليوم نشهد تداخلا في الحدود بين عالم عصابات الشباب و"أوساط" الجانحين المحترفين. فهناك عدد متزايد من الشبان يتعاطون الاقتصاد السفلي و"الأعمال" الممنوعة، في حين يزدهر السعي نحو الخلاص الديني. ويبرهن المؤلف بصورة جوهرية أنه لا يمكن تجريد مسألة العنف عن ظروفها، ولا يمكن فصل دراسة المتغيرات في مواقف "شباب الضواحي السكنية" عن مجموعة من التحولات تحدث على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. لكن لكي نفهم نتائج سياسة الرقابة على "شبان الضواحي" (من "التعاطفي" إلى "الأمني")، علينا قياس نتائج التصورات التي يعطيها عنهم "الاختصاصيون" أو "الباحثون". فمناقشة الدراسة الأثنوجرافية تبدو مقدمة لا مفر منها للدراسة النقدية لأبحاث الخبراء، في مجتمع تتطور فيه بقوة آليات الإذلال والسيطرة. وبحسب "الوطن" يستعيد الفصل الأخير جوهر الكتاب الصغير الذي كرسه الكاتب مؤخرا لأعمال الشغب التي اندلعت في خريف 2005. فبحسب موجير، لم يتضح نهائيا بعد معنى هذا التمرد الذي يمكن أن يتكرر على الأرجح. فيمكن تسييس تلك الأعمال إلى اليمين كما إلى اليسار، وكذلك تحويلها إلى حركات انجذاب إلى الهوية: فإعطاء العلاقات الاجتماعية طابعاً إثنيا هو احتمال مفتوح... فعن طريق إبراز التحولات في وجهات النظر (السياسية، الإعلامية، العلمية) حول هؤلاء "المنحرفين" الشباب، والتشديد في الوقت نفسه على منطق إنتاجهم الاجتماعي والاقتصادي، يضيء هذا الكتاب الأخير بقوة على حال ميزان القوى في المجتمع الفرنسي.