طائرات ال"f - 16" من منا لا يذكر كيف ارتمي "جمال عبد الناصر" فى أحضان السوفييت، معتمدا عليهم بالكلية فى تسليح جيشه، ظنا منه أنه بذلك يتحدي محاولات فرض الهيمنة الإمبريالية الأميريكية، وهو ما انتهي بهما – ناصر والجيش – إلى أفدح هزيمة منيت بها مصر فى تاريخها فى حرب يونيو عام 67؟؟؟ الآن انقلبت الأحوال بزاوية 180 درجة، و"انحرفت" مصر وجيشها بقوة، باتجاه القطب الآخر، الذي بات الأوحد عالميا، منذ سقوط الاتحاد السوفييتي أواسط الثمانينات من القرن الماضي، حيث خطا "السادات" بنفسه - طواعية - نحو الشراك الأميريكية، وتبعه "مبارك" ليلقي بنفسه وبجيشه وأمنه القومي فى سريرها، لتتحول بالتالي شركات السلاح الصهيو – أميريكية، إلى الممول الرئيسي للجيش المصري، علما بأن هذه الشركات هي إحدي أهم وسائل صنع القرار السياسي والعسكري فى البيت الأبيض، والأدلة على ذلك كثيرة، فهي مسئولة – ضمن قوي أخري أساسية – عن الزج بأمريكا نفسها فى حروب لم يأت من ورائها إلا تريليونات المليارات، خسرتها الخزانة الأميريكية، ودخلت جيوب أكبر تجار للسلاح ومشعلي الحروب فى العالم أجمع، بدءا من حرب فييتنام وحتى حروب أفغانستان والعراق، إلى جانب مئات الحروب الصغيرة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، على مدي نصف القرن المنصرم. وأسلحة "صيني" إن الإحصاءات الرسمية – ناهيك عن السرية – تكشف أن السلاح الأميريكي هو العمود الفقري للجيش المصري، فيم تمثل الأسلحة "الصينية" والروسية "القديمة" وما كانت مصانع السلاح المصري تقوم بتطويره قبل توقفها للأبد، بقية قوام الهيكل الأساسي للتسليح العسكري لمصر.......... وهو ما يقود تلقائيا إلى تساؤلات بريئة وعديدة، منها: هل يعقل أن تقدم أمريكا لمصر من السلاح ما يمكن أن تهدد به – مجرد تهديد – أمن حليفتها وصديقتها والناخبة الأولي لرئيس جمهوريتها "إسرائيل"؟؟؟ الإجابة الوحيدة التى تفرض نفسها: مستحيل. وسؤال آخر لا يقل براءة: إذا حدث واندلعت الحرب بين مصر و"إسرائيل" فى أية لحظة، هل يعقل تخيل ألا يصل التعاون الاستخباراتي بين "تل أبيب" و"واشنطن" حد إبلاغ الأخيرة للأولي بكل صغيرة وكبيرة بشأن تفاصيل ما حصلت عليه مصر من سلاح أمريكي وربما ....... غير أمريكي؟ الإجابة أتركها لذكاء القارئ البسيط، وليدعني فقط أنعش ذاكرته بما حدث فى الأميال الأخيرة من مجريات حرب أكتوبر 73، التى كاد انتصار مصر على العدو الصهيوني يتحول إلى هزيمة، ليس فقط نتيجة الجسر الجوي الأمريكي بطائرات كانت طلعتها الأولي من مطارات تل أبيب، ولكن أيضا بعد إبلاغ القيادة العسكرية الأميريكية لنظيرتها الصهيونية، عن الثغرة الشهيرة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين عند منطقة الدفرسوار، والتى كان اكتشافها نقطة تحول درامية فى هذه الحرب، أدت إلى بدء مفاوضات وقف إطلاق النار، وانسحاب متبادل بين الجيشين المصري والصهيوني، وهي المفاوضات التى كانت بدورها سببا لاحقا فى غرس بذور معاهدة السلام المسمومة فى الجسد المصري والكيان العربي ككل. ولماذا نذهب بعيدا، وهناك الأمثولة الألمانية لا تزال حية فى الأذهان، حينما أعلنت "برلين" قبل أسابيع قليلة عن صفقة عسكرية مكونة من غواصتين "فقط" لصالح البحرية المصرية، قامت قيامة تل أبيب ضد ألمانيا ولم تقعد حتى الآن، وبلغ الأمر أن وجه قادة العدو الصهيوني تحذيرا صريحا لنظرائهم الألمان، بعدم تكرار اتخاذ قرارات تتعلق بالتعاون العسكري مع أي من دول المنطقة قبل "التشاور" مسبقا مع "تل أبيب"...!!!
الأكثر خطورة فى هذا الشأن، أن تقارير غير رسمية تم تداولها مؤخرا، زعمت أن حتى الأسلحة الأميريكية التى حصلت عليها مصر بموجب المعونة، وبالتحديد طائرات ال"إف 16" هي مجرد أسلحة فاسدة، بعد أن وافق الرئيس المخلوع على نزع أجزاء من الرقائق الألكترونية الخاصة بها، بما يمنعها من التحليق لمسافات تتعدي الحدود مع الكيان الصهيوني، وربما من هذا المنطلق، استحق المخلوع لقب الكنز الاستراتيجي لدي العدو وتحولت مصر فى عهده إلى "ولاية سياسية" تابعة لأمريكا.
معونة ومناورات وفى سياق التقارير التي لا تقل خطورة، نقلت مؤخرا مجلة "ناشيونال إنتريست" الأميريكية تصريحات ل"دانيال كيرتسر" - السفير الأمريكى الأسبق بالقاهرة – قال فيها أن الرئيس مبارك كان سببا فى انخفاض القدرات العسكرية لجيشه، فى مقابل التركيز على تعميق التحالف مع الكيان الصهيو – أميريكي فى تل أبيب وواشنطن، آملا فى ضمان توريث الحكم لابنه "جمال" استنادا لتأييد الكيان ذاته، وعلى أساس ضمانه لأمن "إسرائيل" فى جميع الأحوال وفقا لمقولته الأشهر: السلام خيارنا الاستراتيجي الدائم. وأكد "كيرتسر" على أن التعاون العسكري المصري – الأمريكي بلغ ذروته بتولي أمريكا بناء القوة العسكرية لمصر عبر المعونة التى تبلغ 1.3 مليارا من الدولارات السنوية، فيم انتهزت أمريكا مناورات "النجم الساطع" التى تم الاتفاق عليها منذ نهاية عهد الرئيس الراحل "أنور السادات"، لتدريب جنود جيشها على القتال فى ظروف الشرق الأوسط، ومن ثم تسهيل مهمتها فى احتلال أفغانستان ثم العراق، وتم احتلال الأخيرة بمساعدة لا تنسي من جانب الجيش المصري، الذي لولاه ما خرجت قوات الرئيس الراحل "صدام حسين" من الكويت. وفى السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى تصريحات فضائية، أطلقها اللواء "سامح سيف اليزل" – الخبير الاستراتيجي المقرب من المؤسسة العسكرية – وأكد فيها أن "معاداة" الكيان الصهيوني تعتبر أمرا صعبا فى الوقت الحالي، كنتيجة طبيعية لطول اعتماد التسليح المصري على المعونة العسكرية الأميريكية، مشيرا إلى أن تكاليف الخروج من هذه الشرنقة، باتجاه تنويع حقيقي لمصادر السلاح، تعد باهظة للغاية، خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الرهيبة التى تعانيها مصر الآن، موضحا أن تحويل مصدر التسلح الرئيسي من السوفييتي إلى الأميريكي، قد بلغ – منتصف السبعينات – نحو مائة وخمسين مليارا من الدولارات، وهو ما يساوي حاليا أضعاف هذا المبلغ إذا فكرت القيادة العسكرية اتخاذ خطوة مماثلة..!!!
إحصاءات مضيئة أخيرا فإن التقرير التالي يكشف للقارئ – وهو ما ليس بخافٍ على العدو قبل الصديق – لمحات ذات مغزي بشأن حجم ونوعية التسليح المصري، وبالتحديد فى قطاع القوات الجوية وذلك بحسب إحصاءات تداولتها صحف ومواقع دولية عام 2007: القوات الجوية المقاتلة المصرية يبلغ إجماليها 635 طائرة حربية، وتفصيلاتها كما يلى: • سرب من طائرة 4 F الأمريكية = 30 طائرة • 8 أسراب من طائرة 16F الأمريكية = 220 طائرة • 5 أسراب من طائرة ميج 21 السوفيتية = 125 طائرة • 2 سرب من طائرة 6 Fالصينية = 45 طائرة • 4 أسراب من طائرة 7 Fالصينية = 100 طائرة • 3 أسراب من طائرة ميراج 5 الفرنسية = 70 طائرة • 2 سرب من طائرة ألفا جيت الأوروبية = 45 طائرة.
استسلام العدو للجيش المصري لن يكون الأخير
وانتصارنا فى "معركتنا المقبلة" محتوم بإذن الله .. ولكنه مشروط بقوله تعالي: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.