حرب أكتوبر 1973 المقصود بها هو رد الإعتبار للقوات المصرية ومحو الأثر الذى خلفته هزيمة يونيو 1967 وأتخذ قرار الحرب قبل بدء العمليات الحربية بأن تتقدم القوات المصرية بعد عبور قناة السويس أكثر من 20 كيلو متر إلى الشرق من القناة وذلك لإعتبارات سياسية فلم يكن مطلقاً المقصود أن نسترجع أرض سيناء كلها حرباً وإنما كان المقصد أن تضطر الدول الكبرى التدخل والقيام بالعمل اللازم لإجلاء إسرائيل عن الأراضى العربية المحتلة لذا بلغ التضامن العربى في هذه الحرب ذروته حيث شارك عدد من الدول العربية في الحرب إلى جانب مصر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية وإستخدام سلاح النفط بطريقة ناجحه لأول مرة في تاريخ الصراع الإسرائيلى . وإذا تأملنا للخطة المصرية عام 1973 كانت تتضمن تدمير خط بارليف والتوقف للدفاع 15 كيلو شرق القناة فحسب وذلك لضعف قواتنا الجوية وعدم توافر الدفاع الجوى الصاروخى فهناك تفوق جوى معاد ونحن نعتمد على الصواريخ المضادة للطائرات المتمركزه على مسافه 5كم غرب القناة والتى يصل مداها إلى مسافه 20 كم وبالتالى فإن أى تقدم لقواتنا خارج منطقة الدفاع الجوى الصاروخى المتمركز غرب القناة ستكون فريسة سهلة لطيران العدو . إلى هنا لا أريد أن أقحم القارىء في تفاصيل المعركة المعلومة لدى الجميع إنما أريد أن أوضح أنه لم تكن صدمة حرب أكتوبر 1973 هينه ليس فقط على الدولة الصهيونيه ولكن أيضاً على الولاياتالمتحدةالأمريكية التى صدمت كما صدم الإسرائيليون بروعة وشجاعة وكفاءة المقاتل المصرى التى كشفت عن أمرين
أولهما مدى إعتزاز المصريين بأرضهم
وثانيهما مدى عمق الكراهيه والعداء لدى هؤلاء المقاتلين للعدو الصهيونى ..من هنا نلاحظ التوافق الأمريكى الإسرائيلى على قرار إستراتيجى مشترك مفاده منع المصريين من تكرار هذه التجربه مرة أخرى أى منع المصريين من إمتلاك القدرة على تحقيق إنتصار عسكرى جديد ضد إسرائيل أو أن تعود قوة قادرة على تهديد الأمن والوجود الإسرائيلى في المستقبل من هنا كان الهدف كله إجبار المصريين على التفاوض المباشر مع الإسرائيلين تحت غطاء فك الإشتباك العسكرى وهو التفاوض الذى تطور فيما بعد من عسكرى إلى سياسي حتى جرى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس عام 1979 وهى المعاهدة التى حولت التفاوض إلى تطبيع العلاقات .
تتابعت الأحداث التى إستهدفت تحويل مصر إلى دولة تابعه إقتصادياً وعسكرياً للولايات المتحدة كى تتمكن واشنطن من التحكم في القرار الوطنى المصرى وبالذات ما يتعلق بالموقف المصرى من إسرائيل وكانت المعونات الإقتصادية والعسكرية التى تعاهدت واشنطن بتقديمها لمصر مقابل أن يكون السلام المصرى مع إسرائيل هو الثمن المباشر لهذه المعونات ناهيك عن عن نتائج معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى جعلت سيناء منطقة نفوذ إسرائيلى وجردتها من السيادة المصرية وحولتها إلى خط حماية هائل للأمن الإسرائيلى بفرضها منطقة خالية من الوجود العسكرى المصرى حيث سمحت بوجود عسكرى رمزى في المنطقة (أ) التى تمتد شرقاً في سيناء بمسافه 50 كيلو متر بمحازاة قناة السويس وأما المنطقة (ب) فيوجد بها عدد قليل من قوات حرس الحدود والمنطقة (ج) الملاصقة لحدود مصر مع إسرائيل فيها عدد قليل من قوات الأمن المركزى فهى بذلك حرمت مصر من وجود جيشها بسيناء وكذلك حرمت مصر من التعمير في جزء ليس بقليل من أراضيها .
كان لابد على أن أتعرض للعملية الإرهابية الأخيرة في رفح وبالتالى أتعرض للتحديات التى تواجهه مصر من عدم وجود قوات مسلحة كافية على أرض سيناء أدت إلى وجود بؤر إرهابية تعرض أمننا للخطر في هذه الحالة . ومن وجهة نظرى لن نكون في حاجة إلى إستئذان من أحد لنحرك جيشنا للدفاع عن هذا الأمن رأى رجوع للجيش المصرى على البقاء في سيناء سيكون إعلاناً بالتفريط ليس فقط في الأمن المصرى بل في الكرامة والسيادة الوطنية من هنا أنا أنادى بأن يكون لنا وجودنا العسكرى داخل كل سيناء وكذلك على حدودنا مع إسرائيل بصفة دائمه .
وصلت إلى ماكنت أبتغيه من سرد حقائق أعتقد أنها كانت تغيب عن الكثيرين من المصريين وأنا أعلم أنها قليل من كثير أريد أن أوضحه للقارىء ...يبقى أن أسرد ماينبغى أن أستفيض فيه من حقائق صادفتنى وأنا كنت أعيش فيه خلال فترة حرب أكتوبر 1973 لا سيما أننى كنت أحد القادة الذين عاصروا المعارك التى تمت في أرض سيناء ضد العدو الإسرائيلى قرابه عشرون عاماً متصلة أركز على فترة حرب أكتوبر بوجودى كأحد قادة الجيش الثالث الميدانى الذى قام بإقتحام قناة السويس وتمركزنا شرق القناة بعد أن تصادمنا مع أفراد القوات الإسرائيلية المتمركزة داخل النقاط القوية لخط بارليف الحصين ولم نشعر في يوم من أيام الحرب أننا أمام قوات يصعب مقاتلتها بل صادفنا قوات تهرول أمام جنودنا التى يصعب لأى قوات معاديه أن تصد تقدمها أو توقف زحفها متجهه للوصول لهدفها المحدد لها دون النظر إلى خسائرنا التى لاتذكر بعد تلاحم القوات داخل النقط القوية وهذا ما أصاب الإسرائيليون بالصدمة كما ذكرت فيما قبل بروعة وشجاعة وكفاءة المقاتل المصرى التى كشفت عن مدى عمق الكراهيه والعداء لدى هؤلاء المقاتلين للعدو الصهيونى .
كان لابد أن أقارن بين وضع أرض سيناء حين ذاك وحالها الآن بعد أن أهمل النظر لها كحائط صد من الجهة الشرقية لبلادنا وبعد أن غض النظر عن حمايتها بقواتنا المسلحة أو بترك أهلها لتعميرها وتمليك أرضها لأهلها للمساعدة في التمسك بكل شبر من أرضهم وحمايتها من أى معتد غاصب وهذا حقهم كمصريين داخل حدود مصر الحقيقية .
وحقيقة الأمر إن ما زاد عن تدهور الأوضاع داخل أرض سيناء هو ترك فئات وعناصر مسلحة إرهابية من جماعات القاعدة والخارجين عن القانون والهاربين من العدالة وإستيطانهم في مناطق مدروسة بعناية يصعب الوصول إليهم كمنطقة " جبل الحلال " بوسط سيناء الذى أذكر إننى قمت بالتمركز فيها في فترة من فترات خدمتى الطويلة بأرض سيناء منطقة تعلوها الجبال المسننه والخنادق المتصلة ببعضها ببعض من الداخل يستوطن ويتمركز فيها هؤلاء الإرهابيين من مده طويله ويتحصنون فيها ويستقبلون فيها مهربى الأسلحة والمخدرات فأصبحت هذه البؤر موطناً يدافعون عنها بأرواحهم و أولادهم ويزداد عددهم يوماً بعد يوم وذلك بعد زيادة حفر الأنفاق التى زادعددها عن 200 نفق بين غزه والأراضى المصرية لاسيما أن أغلب هذه الأنفاق مجهزة لتهريب العربات والأسلحة والذخائر ولا أحد يدرى ماخفى عن ذلك كما لانغفل تأثير فتح معبر رفح البرى بإستمرار وعدم السيطرة الأمنية على مداخل ومخارجه وأنا أشك في نوعية المتسربين خلال هذا المعبر الذى أنشأ أساساً لتخفيف الضغط عن الجرحى والمصابين ومرورهم الآمن من قطاع غزة إلى المستشفيات المصرية التى تستضيفهم والعودة سالمين لوطنهم في غزة ... كنت دائماً انادى بتوفير السيطرة الكاملة على المرور من خلال هذا المعبر لكى نحد من ورود عناصر مشبوهة والإنضمام إلى هؤلاء المجموعات الإرهابية المستوطنة في البؤر الإرهابية داخل سيناء .
الحقيقة أنا متفائل للمواجهة الحقيقة التى تقوم بها القوات المصرية " عملية نسر " لدرء الخطر المتزايد من هذه البؤر الإرهابية وكذلك الإسراع بردم جميع الأنفاق التى تهدد أمن مصر والإعتماد فقط على معبر رفح البرى الذى يتطلب تنظيم العمل به لصالح أهالى غزة وحفاظاً على الأمن القومى المصرى . كما أناشد القيادة السياسية بإعادة النظر في بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وذلك بالإتفاق مع الجانب الإسرائيلى بعد إقناعهم بخطورة الوضع داخل سيناء الذى كان من نتيجة عدم سيطرة القوات المصرية على الأمن وعلى حدود مصر المهدد من الجهة الشرقية .