لا يمكن أن تنجح ثورة بدون سلطة تستطيع تحقيق المطالب والأهداف، وفقًا للإرادة الشعبية لمواجهة الاستبداد، وكذلك وفقًا للسيادة الوطنية لمواجهة التدخلات الخارجية, وبالتالي يستحيل أن يقف المجلس العسكري أو القوى الغربية على الحياد حتى نختار الرئيس الحر ليتم تسليم السلطة بالكامل, فما هي المؤامرات والصدامات المتوقعة؟ وكيف ستقوم القوى السياسية والثورية بمواجهتها؟ وكيف سيتم استغلال هذه المواجهات؟. - هناك تصريحات ومفاجئات تشير لمواجهات, أولا: تصريحات بعض الرموز السياسية والثورية بالتصعيد الثوري الشامل في حالة فوز شفيق بالرئاسة، وتصريح الأخير بسحقهم بالسلاح الميري والقوه المسلحة (المخلوع لم يجرؤ على ذلك). ثانيا: احتمال وصول مرشح لمنصب الرئيس بدون سلطات دستورية محددة ولا صلاحيات سياسية واضحة، نظرا للخلاف المستفحل على تشكيل التأسيسية وعلى فعالية إصدار العسكري لإعلان دستوري مكمل للفراغ الحالي. ثالثا: تصريح أبو الفتوح في حالة رئاسته بضرورة تقنين وضع جماعة الإخوان وفقا للقانون، مع خضوعها للرقابة المالية والإدارية الرسمية، ورد رموز الإخوان على ذلك بتصريحات مناهضة, رابعا: احتمال صدور حكم قضائي سياسي (لمحاولة تغيير الأوضاع لعودة سيطرة غير المنتخبين) بحل البرلمان، مما يستدعي خللًا مجتمعيًّا واسعًا، نظرا لاعتراف الجميع بأن انتخابات البرلمان كانت نزيهة وناتجة عن إجراءات دستورية تم استفتاء الشعب عليها، كما تم توافق القوى السياسية مع العسكري على تفاصيل العملية الانتخابية , خامسا: المادة 28 التي تحصن قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية ضد الطعن القضائي، مما يضطر القوى والتيارات وأنصار بعض مرشحي الرئاسة, في حالة عدم ثقتها في نزاهة الانتخابات إلى اللجوء إلى الشارع والمصادمات، اعتراضا على تزوير الانتخابات. - لاحظنا أن كل الصدامات الدموية التي حدثت، مثل ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وقناة السويس ثم العباسية الأخيرة، بدأت بحراك ثوري سلمي للمطالبة بحقوق مشروعة، لكن تم استغلالها لتغيير الأوضاع تماما بتدبير مذابح عن طريق ضخ أموال فلول وجهات خارجية لاستئجار بلطجية, وبتصعيد إعلامي لإثارة المناخ العام لإحداث فوضى لتغيير المسار السلمي إلى دموي ليتم استخدامه كذريعة لفرض الأحكام العرفية وإلغاء الديمقراطية لمنع الشعب من اختيار حكامه، وبالتالي الحيلولة دون تسليم السلطة , أي أن الحالة الأمنية المتردية ليست بالأساس نتيجة لانفلات أمني مجتمعي كما يروج الإعلام، بل نتيجة للصراع على السلطة بين بقايا مكونات نظام ديكتاتوري ذاهب وبين بدايات نظام ديمقراطي قادم.
- التغيير بالتأثير السلبي غير الشرعي على الانتخابات من خلال الترتيبات السابقة لها، مثل التزوير في نتيجة الانتخابات بعد إجرائها، مثلما كان يفعل المخلوع، والنتيجة واحدة، وهي تزوير إرادة الشعب، لذلك لابد أن تكون الأولوية القصوى هي الاستمرار في الحراك الثوري بشرط أن يكون سلميا حضاريا. فكل تجارب الحكم التي تنسب نفسها للإسلام, (باكستان والسودان مثلا), لم تنجح، لأنها من الأساس بعيدة عن المنهج الإسلامي الذي يعتمد الوصول للحكم سلميا بالإقناع والاقتناع، بعيدا عن العنف وسفك الدماء. ولم نسمع عن نظام وصل للحكم بالقوة ثم استطاع تطبيق الديمقراطية وتداول السلطة، إذن فالمنهج السلمي يمثل أساس الفكر الإسلامي في العقيدة والسياسة والحكم وكل المجالات، طالما أنه لا يوجد عدوان مسلح على أوطاننا.
- لا يوجد ما هو أخطر على مصر والعروبة والمسلمين من تحول الثورة في أكبر بلد "أم الدنيا" إلى العنف، الأمر الذي يكرس استحالة وجود مشروع إسلامي حضاري للنهضة, ومن هنا نصل إلى القضية الأساسية للقوى الامبريالية الغربية التي تستميت وبدعم مالي وإعلامي وعسكري وثقافي هائل لإيجاد علاقة بين الإسلام والمسلمين وبين الإرهاب والعنف.
- لابد من التفريق بين معركة الديمقراطية (الحرية) ضد الوصاية العسكرية وضد حكم غير المنتخبين من ناحية وبين التوافق على الدستور وتحكيم الشريعة (الهوية) من ناحية أخرى, كل القوى السياسية، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو ثورية، لابد أن تتحالف ضد الاستبداد لانتزاع الحرية حتى يتم تسليم السلطة بشكل كامل، ويستحيل أن يتحقق ذلك إلا من خلال مسارين متلازمين في نفس الوقت, الأول هو الصناديق والانتخابات لبناء المؤسسات الحرة التي تنتقل إليها السلطة بالكامل، والثاني هو الحراك الشعبي السلمي الذي يضغط على السلطة الحالية غير المنتخبة حتى تضطر لتسليم مفاتيح ومقاليد السلطة إلى المؤسسات المنتخبة.