لا أحب الكرة ولا أكرهها ، ولكن دومًا أكره المشاكل والقلق وكل شيء يدعو إلى الاستخفاف بالعقل، وليس في اعتقادي أن الكورة أو المباريات أو حتي الرياضة برمتها تدعو لذلك الإسفاف لأن الرياضة توحد الشعوب, لكن ما يحدث في الأيام الراهنة يثير الغثيان عندما نجد المتعصبين هم من يحتلون المنصات والمدرجات مما أبعد الرياضة عن التحلي باللياقة والذوق والأخلاق في ظل هيمنة تلك الطائفة، بل أصبحت مدعاة لجر السياسة إلى الملاعب للتدحرج بين أقدام لاعبي الفرق المتنافسة لتلقي بها في شباك الفتنة والكراهية بين الشعوب. والمتابع لكرة القدم والمراقب لأداء الفرق ومن ورائها هتافات الجماهير يجد العجب العجاب في مدى استحواذ تلك المستديرة علي عقول الناس علي حساب القضايا الرئيسية والهامة التي تمس كيان الدول العربية، بل انقلب الحال حتى أصبحت الكرة ساحة لإشعال الحروب بين الشعوب العربية وخلق هوة كبيرة بينها، وهي التي تربطها أواصر الدين والدم واللغة على مدى القرون والتاريخ السابق . وبعيدا عن صورة التحليل ما قبل المباراة وما بعدها تجد الجماهير تتأهب، كل على حدة، بالأعلام التي تمثل البلد لدرجة أن الأعلام ترسم علي الوجوه وتباع، وكان النصيب الأكبر من الفرحة هم عامة الشعب والفقراء ولا أدري كيف لمن يشتكي نقص الخبز في بيته أن يشتري علما يفوق ثمنه ال50 جنيها، فيبدو أننا نعيش في زمن عزت فيه الانتصارات، وكثرت فيه الانتكاسات، ولم يبقَ أمام المحبطين واليائسين في مصر والجزائر إلا أن يراهنوا على الانتصار والتربع على عرش كرة القدم. ويبدو أنه لم يعد للإعلام مهنة سوى حشد تلك الشعوب نحو ما يمكن أن يجعل منهم كالنيام مغناطيسيا ولَيّ أعناقهم نحو قضايا هزيلة لا تدعو إلا لإثارة البلبة وإلهاء تلك الشعوب الغارقة في الفقر والجهل عن المطالبة بحقوقهم وتلك صورة واقعية لا مواربة ولا جدال فيها ومن هنا أعتقد أن الإعلام العربي بكافة مستوياته هو عامل مؤثر في عقول المجتمعات العربية ويمكنه أن يقنع العوام من الناس بأمور ريادية أو كيفما أراد، إذن فأين كان الإعلام العربي أثناء تلك الانتكاسات التي مرت بنا . ومن لا يصدق مدى جدية تأثير الإعلام في الناس يأتي ليجالس كما جالست أنا أحد المرتادين للمقاهي التي تعج بها القاهرة ليعاصر تلك الحماسة التي تعلو رءوس الجالسين، والفرحة التي افتقدناها في سني النكسات المتوالية، كما صرح لي أحد المتحمسين بها، لينفس عن الكروبات التي أصابته والتعاسة التي يعيش فيها من صور الهزائم الاجتماعية والسياسية والحياتية التي يعيشها أغلبهم . وتبقي هناك حاجة لدراسة ملحة لتأثير تلك المستديرة لتحشد تلك الألوف المؤلفة من الجماهير في مصر أو غيرها نشوة بالنصر في وقت كانت فيه غزة تغص بالدماء وكنا نشاهد المظاهرات الهزيلة التي لم ترقَ إلى تلك الدماء الطاهرة المستنزفة في فلسطين، وليس غريبًا أن نجد تلك المظاهرات تقمع من قبل السلطات في حين نجد أن التخريب في مظاهرات المبارايات عمل مشروع لا ضرر ولا ضرار فيه ، وهنا تكمن المفارقة الكبرى فمن يا ترى الخاسر ومن الرابح؟!