فضيلة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون" رسالة من : أ.د محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين العروبةَ لها في الإسلام وفي منهاجنا مكان بارزٌ: فالعرب هم أمة الإسلام الأولى نزلت فيهم رسالته، ووصل إلى الأمم عن طريقهم، وجاء كتابه الكريم بلسان ٍعربي مبين، جهر به محمد صلى الله عليه وسلم، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)) (الأعراف)، فتوحَّدت الأمم باسمه على هذا اللسان، فالعرب هم عصبة الإسلام، ووحدة العرب أمرٌ لا بد َّمنه لإعادة دولة الإسلام ومجده. وأنه يجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وأنه دون اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها لن ينهض الإسلام، يقول الإمام البنا: "والجامعة العربية في وضعها الصحيح الذي يجعلها جامعة حقيقية تضم كل عربي على وجه الأرض في المشرق والمغرب، وتستطيع أن تقول كلمتها فيحترم هذه الكلمة العرب وغير العرب، هذه الجامعة العربية من واجبنا أن نعمل على تقويتها وتدعيمها، ومن حقنا أن يعترف الناس بها، وأن يقدِّروها قدرها، وأن يؤمنوا بأنها حين تقوى وتعز، ستكون من أقوى دعائم الإسلام العالمي". هل نشهد تغييرًا بعد الربيع العربي؟ فمنذ أن صرح أيدن وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم البريطاني: بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية، وتتوالى المؤتمرات منذ تأسيس الجامعة في عام 1945م، ولكن النتائج المأمولة لا تتحقق، وكأنها باتت ظاهرة صوتية لحكام لم يحملوا الأمانة، وقهروا أي بادرة لوحدة العرب، بل كانوا من أدوات تفتيت الأمة العربية وتقسيمها، الذي هو هدف المشروع الأمريكي الصهيوني، وكانوا ينتظرون لحل من الساحر الأمريكي الصهيوني الذي قتل شعوبها وحاصر أبناءها ودمر بنيانها وخرب أرضها، فهل حقا ًبعد الثورات العربية يمكننا القول بأن المؤتمرات القادمة ستكون عربية! هذا ما يأمله الإخوان المسلمون في عالمنا العربي والإسلامي، فبعد 33 اجتماع قمة منها 22 قمة عادية و9 قمم طارئة، لم تر الأمة مشروعات إلا في الأوراق، ولم تشهد حلولاً للمشكلات، ولم تلمس انفراجًا للنزاعات، ولم يُفعّل مجلس السلم والأمن العربي، الذي حجب دوره، حتى إن الجامعة العربية تلجأ في أزماتها إلى مجلس الأمن الدولي!، فهل تشهد الجامعة تطويرًا يرتقى إلى طموحات وتطلعات الشعوب العربية بعدما شهدته المنطقة والعديد من الدول من ثورات الربيع، والميل الشديد نحو الديمقراطية والإصلاح. قضايا تريد الحسم أمام القمة: يأتي هذا المؤتمر وسط انفجارات يومية في بغداد يذهب ضحيتها المئات من الأبرياء، بعد أن منعت ثورات الشعوب العربية انعقاد المؤتمر في ميعاده المقرر مسبقًا في مارس 2011م ببغداد، واليوم؛ حيث لا يوجد انسحاب أمريكي كامل من العراق ولا استقرار سياسي بالمعنى المقبول، وكذلك لا أمن ولا سلام في جميع أنحاء البلاد، تأتي بارقة أمل وسط هذه الظروف نأمل أن تمحو معاناة الدول العربية وأزماتها الراهنة، وتفتح الطريق أمام نهضة الأمة، وهو طريق شاق ولكن لا يوجد طريق غيره يؤدي إلى النهضة والتقدم والانضمام إلى ركب الحضارة الإنسانية وإنارتها بالحضارة الإسلامية. يأتي هذا المؤتمر وشلال من الدماء يتدفق في سوريا من نظام وحشي يفتك بالأطفال والنساء والشيوخ، خاصة بعد فشل المساعي الدبلوماسية العربية والدولية في إنهاء هذا العنف الذي تشهده؛ ومع أن النظام السوري وقيادات ثورته الشعبية لن يكون لهما حضور في المؤتمر، فإن الأمانة تقتضي اتخاذ قرارات حاسمة توقف الدماء وتمنح الشعب حريته برحيل النظام المستبد ومحاكمة رموزه على جرائمهم الشنعاء، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه من دون إيجاد آلية لردع هذا النظام قد تتحول الأزمة من متظاهرين سلميين يطالبون بالحرية والكرامة، وإسقاط النظام، إلى حرب أهلية طائفية، وستكون نتائجها كارثية على جميع دول الجوار، وقد تطال أبعد من ذلك. يأتي هذا المؤتمر وتهويد القدس مستمر على يد الصهاينة بشكل غير مسبوق، واستمرار الاستيطان لإنشاء واقع جديد على الأرض، والحصار والظلام والغارات والتعنت الصهيوني يكاد يفتك بأهلنا في غزة، وسط نداءات للمجتمعين في القمة العربية للتذكير بالقضية الفلسطينية، فهل من دعوة جادة لتوحيد الصف الفلسطيني ليرفع شعار المقاومة لتحرير فلسطينوالقدس واستعادة المسجد الأقصى الشريف؟ وهل من وقفات عملية نحو تعبئة الجهود العربية, في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني, أم أن القمة ستخرج علينا بالبيانات الطنانة؟ يأتي هذا المؤتمر ولا تكاد دولة عربية تخلو من مشكلات داخلية مزمنة، فأوضاع دول الربيع العربي من القضايا الهامة التي سيتطرق إليها الحكام الجدد، في التأكيد على المشاركة البناءة لنهضة بلدانهم دون ضغوط من أي جهة أو إملاءات خارجية، وذلك بالاتفاق على إطلاق الحريات, وتوفير المعيشة اللائقة بالإنسان العربي, والتعاون بين العرب في جميع المجالات, وطرد القواعد العسكرية, ووقف التخريب المخابراتي, وإزالة صور الهيمنة المهينة, والمحافظة على حقوق الإنسان في ممارسة حياته دون قهر أو ظلم أو تعذيب أو محاكمته سياسيًّا مدنيًّا أو عسكريًّا. يأتي هذا المؤتمر والتعاون العربي الاقتصادي غائب عن الحضور، وحاجتنا أن نحول المشروعات الاقتصادية إلى واقع عملي، وأن نتفق على قمة اقتصادية سريعة تحقق التكامل المنشود بين العرب، بعد أن حرمنا من ذلك طيلة السنوات الماضية، فمنذ تأسيس الجامعة العربية وحتى عام 2011م، لم يعقد العرب إلا مؤتمرًا واحدًا اقتصاديًّا! فالفترات الانتقالية التي تمر بها الثورات العربية، في أمس الحاجة إلى العبور الآمن المستقر مما تعانيه من أزمات اقتصادية طاحنة، باعتبار التكامل الاقتصادي هو الرد العملي الممكن لمواجهة مؤامرات الانقسام والتقسيم ضد الدول العربية والإسلامية، بما يوفر لشعوبنا الأمن والأمان الاقتصادي والاجتماعي، ولدولنا الاستقلال والأمن الوطني. الدور العملي من قمة بغداد إن الدور العملي المنتظر من قمة بغداد يتمثل في وقف التدهور في العلاقات العربية- العربية والعربية-الإسلامية، وتفعيل مشروع القمم السابقة (الاتحاد العربي) الذي ما زال ممكنًا كمشروع إستراتيجي للمستقبل العربي-بل يبقى حاليًّا هو الممكن الوحيد في قمة بغداد لتجاوز ما نحن فيه، وتحقيق ما نتطلع إليه-وتأكيد القواسم المشتركة والهوية الموحدة العربية والإسلامية معًا، خاصة بعد نمو التيارات الإسلامية العربية وتقديمها الحلول الواقعية في حل مشاكل الأقليات الدينية والمذهبية، والقومية والطائفية، على مستوي عالمنا العربي والإسلامي. هذا هو المأمول من قمة بغداد، ويحوطنا الأمل القادم، بعد سقوط الأنظمة المستبدة، لتكون بحق "قمة كل العرب"، فهل بالفعل سيتحقق هذا الحلم المرتقب والأمل المنتظر؟ نأمل أن تنجح القمة في تنفيذ قراراتها، بواقع جديد تلمسه الشعوب المتعطشة لحياة حرة كريمة عزيزة، وما ذلك على الله ببعيد، يقول تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ) (الأنبياء : 105-106) والله أكبر ولله الحمد وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .