"رشدي" هذا الطالب الذي غادر محافظته أسيوط قبل سنوات قادماً للعاصمة لكييُكمل تعليمه بكلية التجارة، لم يكن يعلم وقتها أنه قادماً لنهايته، ولميكن يعلم أنه سيُساهم في تخفيف جراح المصابين في ثورة مصر، لكنه لن يجد من يوقف نزيفه جراحه ليودع الدنيا برصاصة مجهولة المصدر.. "رشدي محمود رشدي" البالغ من العمر 21عاماً راح مثله مثل المئات من شبابمصر الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة أثناء المطالبة بحقوق الشعب، لكنملابسات نهايته لم تكن كمثل من سبقوه فقد أحاطها الإثارة والغموض... ألتقينا والده وكان لنا الحوار التالي... بداية عرفنا ب "رشدي"؟ رشدي محمود محمد، مواليد 23يوليو 1991، مركز ديروط بمحافظة أسيوط، وطالب بكلية التجارة بجامعة القاهرة وقبل إستشهاده كان مقيماً معي بدار السلام بالبساتين.
وما الذي حدث ومن أبلغك بخبر إستشهاده؟ في الآونة الأخير لاحظت أشياءً غريبة حوله، حيث وجدته يتحدث عن الثورة وميدان التحرير بتفاصيل دقيقة غير التي تُذكر في القنوات الفضائية،وعندها أحسست أنه يذهب لهناك، وكنت أخشى عليه، لذلك ولكي أمنعه من الذهابإلى هناك قررت ألا أُتيح له وقت فراغ، وبمجرد ما أنتهت إمتحانات التيرمالأول بالكلية أخذته للعمل معي بمستشفى الجلاء وأنا كنت أعمل بالفترةالمسائية وهو بالصباحية وأعتقدت أن الأمر يسير طبيعياً حتى فوجئت في أحد الأيام عند عودتي للمنزل في الصباح أنه لم يعد على الرغم أنه انتهى منالعمل في مساء اليوم السابق، وحاولت الإتصال بهاتفه المحمول إلى أنه كان مغلقاً، وأثناء المحاولات أخبرتني شقيقته أنها اتصلت به وكان على الهاتف شخص أخبرها بإن أحمد مصاب وذهب لمستشفى قصر العيني، وتحدثت له فأخبرني بأن صاحب الهاتف قد لقي مصرعه برصاصة بالرأس.
ويتابع والد الشهيد: عندما ذهبت لمستشفى قصر العيني وسألت عن إسم إبني قالوا لي أنه لاتوجد حالات بهذا الإسم، وأن هناك قتيلين بشارع محمد محمود، أحدهما سقط من فوق مبنى الضرائب العقارية والآخر مصاب بطلق بالرأس ولكن إسمه محمد جمال، فكنت مُصراً على رؤية الجثث وذهبت مع أحد المسئولين إلى ثلاجة الموتى وأخذنا نبحث وفوجئت بشئ غريب يشدني إلى درج بعيد وفتحته ووجدت إبني بداخله ومصاب بطلق بالجبهة وهناك فتحة كبيرة بنفس المستوى بمؤخرة الرأس.. كان المشهد صعب للغاية.
ولماذا تم تسجيل الإسم خطأ... هل لم يكن معه ما يُثبت شخصيته؟ تغيير إسمه هو الآخر لغز لا أستطيعه حله إلى الآن، فجميع أوراقه كانت موجودة ولا أعرف لماذا تم تغيير الإسم.
وماذا بعد؟ علاقة أبني بمن حوله كانت طيبة جداً وكان محبوب من الجميع، فلم أستطيعإخبار اهله بذلك ولكن طلبت منهم جميعاً الذهاب لديروط لأن أحمد مصاب، وسبقوني إلى هناك وأتينا بالجثمان لندفنه في مسقط رأسه.. ورغم الأحزان كان هناك سؤال يُطاردني وهو كيف ومن قتل إبني؟؟.
وهل وجدت الإجابة؟ كان أول طريقي للبحث عن الحقيقة هو من بحوزته الهاتف المحمول الخاص ب"رشدي"، فبالتأكيد كان أقرب شخص منه قبل الحادث، وفي اليوم الثالث قمتبالإتصال به وعلمت أن إسمه "أحمد" وسألته عن اللحظات الأخيرة فقال لي أنه كان مع الشهيد وأثناء الأحداث، كانت هناك إشتباكات بين المتظاهرين وأهالي عابدين وفوجئنا بشخص يسقط من فوق مبنى الضرائب العقارية ليلقى مصرعه في الحال، وأردنا أن نعرف من الذي ألقى به، وطالبني الشهيد بأن نصعد المبنى للقبض على الفاعل، وعندما صعدنا قام رشدي بالنظر من النافذة وسمعت صرخته وسقوطه وكان معي هاتفه لكي أُنير به وفوجئت به مصاباً بالطلق الناريبالرأس وأخذناه إلى الإسعاف وأردت الذهاب معه إلا أنهم منعوني وبقي الهاتف معي".
وهل أكتفيت بتلك المعلومات؟ بالطبع لا... فطلبت منه أن يسلم الهاتف لأحد زملائي بالمستشفى وحددت معهالموعد والمكان وطلبت منه أن يأخذهم إلى حيث سقط أحمد ويشرح لهم كيف كانالحادث حتى أعرف أن أحدد من أين أتى الطلق الذي تسبب في وفاته؟
وهل فعل ذلك؟ بعد أن وافق على طلبي، انتظروه لأكثر من 10ساعات إلى أنه لم يأت لهم، وعندما كنا نتصل به كان يفتح الخط ثم يُغلقه مرة ثانية، وظل على هذا الحال حتى اليوم الذي طلبت فيه النيابة أن تأخذ أقوالي وكانت آخر مكالمة أجريها بهاتف نجلي الذي بحوزتهم، ولكن هذه المرة ردّ عليّ شخص آخر وحدثني بطريقة غير لائقة ثم قال لي "أحمد مش موجود..راح القصر.. هكلمه وأشوف حكاية التليفون ده"، وبعد أن ذهبت للنيابة وأدليت بأقوالي وجدت أن التليفون أُغلق وكأنه كان يحاول تثبيت السيناريو الذي قاله لي لكي أقوله للنيابة وأُبعد التهمة عن جهة بعينها أو القول أنه مات بأعلى المبنى وهو من ضمن البلطجية.
ومن تتوقع أن يكون الجاني؟ لا أستطيع أن أتهم أحد، لكن لم تكن هناك إشتباكات وقتها مع الشرطة، وفي نفس الوقت فإن هذا الشخص يحاول إعطائي معلومات تتهم الأهالي في الحادث...ولا أعتقد ان الأهالي كان معهم قناصة... فمن قتل إبني يعلم ماذا يفعل ويفهم جيداً كيف يسير.
ومن قال أنها قناصة؟ نحن صعايدة ونعلم جيداً كيف يُستخدم السلاح وكيف تكون الإصابة والمدى، وتقرير الطب الشرعي قال أن الكشف الظاهري على "رشدي" أكد أن الإصابة حيوية حديثة ذات طبيعة نارية مفردة حدثت من عيار ناري مفرد، اطلقت من سلاح معد لإطلاق الأعيرة المفردة من مسافات جاوزت مدى الإطلاق القريب للأسلحة المفردة وكان اتجاه الإطلاق من الأمام واليمين إلى الخلفواليسار.
ويتابع حديثه قائلاً: لو كانت الإصابة حدثت بأعلى المبنى من الأهالي الذين تواجدوا بالأسفل كما قال المتحدث عبر الهاتف فإنها بالطبع ستكون من أعلى إلى أسفل، بالإضافة إلى أنها لكي تكون مستقيمة مثلما حدث مع رشدي فإن ذلك يتطلب سلاح ناري مُثبت وشخص لديه مهارة استخدام السلاح، حيث أن خروج الطلقة دائماً ما يصاحبه هزة في السلاح تؤدي إلى تغيير مسار الطلقة من الأسفل للأعلى.
ومن ذلك القناص وهل يعني هذا أن الشرطة من فعلت ذلك؟ كما ذكرت.. لا استطيع أن أتهم أحداً لكن قضية نجلي بما يُحيطها من علامات استفهام، بالتأكيد ستكون الإجابة عنها هي دليل البراءة أو الإدانة للداخلية خاصة وأنها حدثت في ظل عدم وجود لأشتباكات معهم. من جانبه قال المستشار رفعت السيد رئيس نادي قضاة أسيوط السابق أن عبارة " اطلقت من سلاح معد لإطلاق الأعيرة المفردة" ليس بالضرورة أن يكون سلاح قناصة فإن الأسلحة المفردة تشمل المسدس والسلاح الآلي وغيره دون أسلحة الرش، أما بالنسبة ل"جاوزت مدى الإطلاق القريب" فهو يعني أنه جاوزت مسافة نصف متر حيث أنه في حال كانت المسافة في المدة القريب فإن الطلق الناري يترك أثار حروق حول فتحة الدخول.
وحول ما قاله الشخص المجهول ل"والد الشهيد" بأن نجله كان بأعلى المبنى رد المستشار "السيد" قائلاً: هناك قاعدة عامة في القانون تقول أن الدليل الفني يسبق الدليل القولي، حيث أن الأول لايكذب لكن ما يذكره الأخير قابل للكذب، ولكن طبيعة دخول الطلق وخروجه في نفس المستوى بالرأس فإنه لابد وأن يكون الجاني في نفس مستوى الرأس، حيث أن الأول إن كان في الدور الثاني، فإن الآخر واقف بنفس المستوى في مكان مقابل له، مع العلم بأن الرأس عنصر متحرك فلايتم تحديد مكان الإصابة حيث أنه في وقت الحادث يمكن أن يكون ناظراً للأعلى أو للأسفل أو غير ذلك وفي أي حالة يمكن للطلق أن يأتي في اتجاه مستقيم وهذا يترتب أيضاً على مدى ثبات جسم المجني عليه. وعن حدوث انفجار بفتحة الخروج وعلاقته برصاص القناصة أكد أن الأسلحة كلها واحد، لكن لقب قناصة يُطلق على الشخص المدرب وحدوث انفجار بفتحة الخروج شئ طبيعي.