شغلت قضية منظمات المجتمع المدنى الرأى العام المصرى والأمريكى وهدد كلا الطرفين المصرى والأمريكى بعضهما البعض بكل أوراق الضغط الموجودة ليدبهم لكن من الواضح أن ورقة المعونات الأمريكية هى الورقة الرابحة التى ستربح بها أمريكا الرهان من مصر وخاصة بعد أن تواردت أنباء عن قرب حل أزمة قضية منظمات المجتمع المدني التي يحاكم فيها 43 ناشطاً بينهم 19 أميركياً. وكشف مصدر مطلع أن الاتفاق يقضي بإيجاد «مخرج قانوني» لغلق ملف المحاكمة الجنائية في هذه القضية، مع تقنين أوضاع هذه المنظمات بحيث تحصل على ترخيص رسمي من السلطات بمزاولة نشاطها يجدد سنوياً. وأوضح المصدر أن «الاتفاق ينص على أن يُعرض كل مشروع تنوي هذه المنظمات تنفيذه على وزارة الشؤون الاجتماعية قبل البدء فيه لمناقشة كل أنشطته والمتعاملين والمستفيدين منه، وأن تخضع هذه المنظمات للاتفاقات الحكومية كافة المبرمة بين القاهرةوواشنطن». ومن المقرر أن يعقد اليوم اجتماع في مقر وزارة الشؤون الاجتماعية بحضور ممثلين عن جهازي المخابرات والأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) ووزارة الخارجية لتحديد الشكل النهائي للاتفاق مع هذه المنظمات الذي سيلزمها بقانون جديد لتنظيم عمل جمعيات المجتمع المدني يشمل إتاحة التمويل المحلي للجمعيات ليصير مصدرها الرئيس ويضع ضوابط للتمويل الأجنبي في إطار إجراءات جديدة. وأوضح المصدر أن لقاء رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير حسين طنطاوي مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الجنرال مارتن دمبسي أثمر الاتفاق «بعد أن أكد (الأخير) استراتيجية العلاقات مع القاهرة ومعارضته قطع المعونة العسكرية لمصر، في حين أكد له طنطاوي أن لا مانع لدى مصر من عمل هذه المنظمات لكن في إطار قانوني ووعد باتخاذ إجراءات في هذا الصدد». وبعد لقاء طنطاوي - ديمبسي، كلّف الأول رئيس الوزراء كمال الجنزوري بالبحث في ملف المنظمات الأميركية في إطار «ضرورة الحفاظ على العلاقات الراسخة بين القاهرةوواشنطن»، فعقد الجنزوري اجتماعاً مع المعنيين بهذا الملف انتهى بالاتفاق على «إغلاق ملف التمويل الأجنبي، وتسوية أوضاع المنظمات الأميركية والعاملين بها ومنحهم التصريح بالعمل في مصر». والجنزوري أكد خلال الاجتماع أن مصر تمر بظروف اقتصادية سيئة للغاية، لا تسمح بالدخول في مواجهة مع الولاياتالمتحدة التي تستطيع ممارسة ضغوط على المؤسسات الدولية المعنية بالقروض أو الدول المانحة لمنع تعاملها مع مصر. وطلب تسوية ملف المنظمات الأميركية، لكن ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية ومسؤولين آخرين أبدوا تخوفاً من رد فعل الرأي العام بعد تعبئته ضد المنظمات الأجنبية. ورد الجنزوري بأنه يدرك كل هذه المحاذير، لكنه شدد على «ضرورة حل الموضوع في إطار قانوني ومن دون تدخل في أعمال القضاء». وتحدث عن أن «إيران عرضت المساعدة على مصر لتجاوز الأزمة الاقتصادية وأبدت استعداداً لتحريك 4 سفن إيرانية محملة بالغاز كانت في طريقها إلى المغرب لمصر، والتنازل عن بنك مصر - إيران للقاهرة، لكن الموافقة على العرض الإيراني قد تكلف مصر ثمناً غالياً». وأفاد بأن عضو الكونغرس الأميركي جون ماكين سيناقش في القاهرة خلال زيارته المرتقبة الأسبوع المقبل «الاتفاق النهائي» لتسوية ملف المنظمات، بعد إشارات إيجابية وردت من واشنطن عبر عنها طلب الرئيس باراك أوباما من الكونغرس الإبقاء على المساعدات العسكرية لمصر كما هي، فضلاً عن تحرك إيجابي في موضوع طلب القاهرة قرضاً من البنك الدولي، إذ اقتربت الحكومة المصرية وبعثة البنك الدولي من الاتفاق على قرض ببليون دولار لسد عجز الموازنة. وعقدت البعثة مساء أمس لقاء مع وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا ووزير المال ممتاز السعيد لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق. ولكى تتلقى القوات المسلحة المصرية مساعدات عام 2012، والتى يجب أن تصرف قبل نهاية مارس القادم، فعلى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أن تؤكد للكونجرس أن مصر«تلتزم بسياسة حماية حرية التعبير والتجمع وحرية العقيدة وتلتزم بسيادة القانون» قبل صرف هذه المبالغ. وبعد أسبوعين من الآن، ويوم 13 فبراير تحديدا، سيقدم الرئيس أوباما للكونجرس تصوره المبدئى لمشروع الميزانية الفيدرالية لعام 2013، وسيكون من الصعوبة بمكان تصور وجود بند المساعدات العسكرية لمصر إذا ما استمرت الأزمة المصرية الأمريكية الحالية. يوم 20 يناير هاتف الرئيس أوباما المشير طنطاوى مؤكدا له الدور المهم الذى يضطلع به المجتمع المدنى، بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية، فى مجتمع ديمقراطى. وطلب أوباما أن تحل مشكلة المنظمات الأمريكية فى مصر من أجل الحفاظ على مستقبل المساعدات العسكرية لمصر، حيث سيصعب استمرار الأزمة من موافقة الكونجرس على تقديم مساعدات لمصر، وذلك لأن تلك المنظمات تربطها علاقات قوية ومتشابكة مع الكونجرس بحزبيه الجمهورى والديمقراطى. ويرجح مسئولون أمريكيون أن المجلس العسكرى لم يفهم رسالة أوباما، ولا يعتقد أن واشنطن تستطيع أن تخاطر بقطع المعونات فى هذه المرحلة الحرجة المتوترة التى يشهدها الشرق الأوسط.