(اللى بنا مصر لم يكن حلوانيا)؟.. بل كان روميا يعود أصله إلى جزيرة صقلية.. وهو أبو الحسن جوهر بن عبد الله القائد الرومى المعروف بالكاتب أو جوهر الصقلى.وهو من كبار قادة المعزلدين الله الفاطمى المغربى الأصل والتى تنسب إليه القاهرة المعزية.جاء المعز من المغرب إلى مصر واستلمها من قائد جوهر الصقلى عام 362ه، بعد عدة حروب خاضها جوهر لفتح مصر وهو أول خليفة من بنى عبيد والخلفاء العلويين فى مصر.كانت القاهرة مدينة لا تتعدى مساحتها 340 فدانا حين بناها جوهر فى شكل مربع يصل طول ضلعه 120 مترا ولم تكن مدينة لعامة الشعب.. بل مقرا للحكام والحكومة وقادة الجيش والوزراء ولم يبنها جوهر إلا لتكون سكنا للخليفة الفاطمى وحرمه وجنده وخواصه ومكانا يتحصن فيه عند الضرورة فلم يدخلها سكان مصر إلا بإذن مكتوب يسمح لحامله أن يدخل إليها من أحد أبوابها.وهكذا كانت أسوار القاهرة المحروسة جيدا تحجب الخليفة عن عامة الشعب وكانت هذه الأسوار من الطوب اللبن والتى جعلها جوهر الصقلى تدور حول قواته وقد جعل دخل هذه الأسوار الجامع الأزهر وقصر الخليفة.لم يسكن الناس العامة القاهرة إلا فى أواخر الحكم الفاطمى عندما ضعفت سلطة الخلفاء و كان صلاح الدين الأيوبى أول من سمح للناس بالإقامة فيها والبناء فأخذ رجال الدولة يبنون حولها البساتين والقصور.ثم بمضى الوقت بنى الناس فى الفضاء حولها وحول الأراضى والبرك التى انسحب منها النيل واتجه غربا كما هى عادته.فى أواخر أيام المماليك كانت العاصمة الجيدة فى حالة مزرية وكانت القاذورات والقمامة وبقايا الهدم تلقى على أبواب الحارات والأزقة وأصبحت المدينة محاطة بتلال منها ولا تدخلها الشمس ولا الرياح لضيق المسالك داخلها فانتشرت الأمراض بين أهلها وكثر الجزام والبرص والكساح والعمى والجدرى وكثيرا ما اجتاحتها الكوليرا حتى عرفت بمدينة الموت خاصة والناس لم يعرفوا مقابر لموتاهم إلا فى داخل البيوت نفسها أو المساجد أو ما يشبه المدارس.عانت القاهرة الكثير وزادت الحالة سوءا حتى قبل وصول حملة بونابرت إلى القاهرة عام 1798م بسبب الصراع الرهيب على السلطة بين إبراهيم بك ومراد باشا إلى أن تمكن محمد على باشا من السيطرة على السلطة عام 1805م، وقد كان للرجل من الطموح لتطوير البلاد فى كل المجالات قدرا كبيرا وتنفيدا واقعيا على الأرض شهد له به التاريخ.أعاد محمد على النظر فى عاصمة البلاد وكان أول قرار حصر المبانى الآيلة للسقوط تمهيدا لهدمها عام 1816م، ثم أمر بإعادة تعمير القاهرة وكنس الأسواق والمواظبة على رشها بالماء وإيقاد القناديل على أبواب البيوت والحوانيت ووصولا لعام 1820م استطاع محمد على السيطرة على الأوبئة داخل العاصمة بإزالة الأنقاض التى أحاطت بها واستعمالها فى ردم الكثير من البرك التى كانت تنتشر بداخلها ما عدا الوباء الجامح عام 1831م.واستمرت أعمال تجميل وتعمير القاهرة فى عهده فأصدر الأوامر بتعمير الخرائب مملوكة لأفراد أو موقوفة- وأنشأ كذلك فى عام 1843م مجلسا للإشراف على تجميل وتزين القاهرة أسوة بما حدث فى الإسكندرية التى سبقت العاصمة فى هذا المضمار.وكان أول بداية حقيقية لإدخال نظام البلديات إلى مصر عام 1874م حين تكون (مجلس تنظيم المحروسة) فبدأ فى عهده ترقيم وتسمية شوارع القاهرة التى بدأ فى توسيعها وغرز الأشجار على جوانبها خصوصا أشجار الجميز واللبخ.وفى عهده تم شق وتمهيد أوسع شوارع مصر أى القاهرة وأكثرها استقامة وهو شارع شبرا وكان يصل بين العاصمة وقصره وفى نفس العام 1847م أمر بردم مساحات هائلة من بركة الأزبكية وتحويلها إلى متنزه عام، وكان محمد على أول من عمل على نزع ملكية الأماكن والديار من أصحابها وتعويضهم للصالح العام لتوسيع وفتح أزقة القاهرة لراحة العباد من ضيق الأزقة.وعندما تولى إسماعيل حكم مصر فى يناير 1863م كانت القاهرة مازالت مدينة صغيرة بها بعض الخرائب والمستنقعات ولم يكن بها أى نظام لتوزيع مياه الشرب الضحية ولا أى نظام للصرف الصحى كانت المخلفات تجمع فى (المجارير) فتتسرب إلى مياه هذه البرك التى يعتمد غالبية سكان القاهرة فى الحصول على حاجتهم من المياه منها.كان إسماعيل يحلم بأن تصبح عاصمة لمكة باريس الشرق بعد أن عاش ودرس فى باريس العاصمة الفرنسية فوضع مشروع تحديث مصر المحروسة والذى عرف باسم (برنامج المشروعات السبعة) كان أولها تحويل مجرى النيل إلى تثبيت مجرى النيل عند القاهرة، فأنشأ (ديوان الهندسة) الذى عمل فى هذا المشروع لمدة عامين.كان ينقل فهيا الطمى والرمل والأحجار لردم ما بين جسر فى النيل يبدأ من مدينة الجيزة ويمتد إلى منطقة امبابة وبذلك كسبت العاصمة مساحة هائلة بتحويل مجرى النهر هى كل المناطق حدائق الحيوان والأورمان الحالية والدقى والعجوزة.وفى عهد إسماعيل استمرالعمل فى تكملة ردم البرك حتى زات عددها عن عشرين بركة.وفى عهده تم نثل المدافن من وسط القاهرة إلى خارجها وتحويل أراضيها إلى ميادين وأحياء سكنية للعامة تمر بينها شوارع عدة وحدائق ومنتزهات بديعة الجمال بأشجارها الباسقة.كما عمل على إصلاح الأحياء الفقيرة وإصلاح مداخل القاهرة.وحين واجهته الصعاب الجم فى تطوير العاصمة بسبب طبيعة إنشاء العاصمة القديمة وقبلها الفسطاط التى تلتها القطائع والعسكر فكر فى إنشاء أحياء جديدة تماما تشبه المناطق الأوروبية خاصة الباريسية منها وكان منها حى عابدين الذى قور الانتقال إليه والإقامة فى مقر الحكم الجديد بقصر عابدين.وفى عام 1873م تحمل الخديوإسماعيل من أمواله الخاصة تكلفة إنشاء مشروع قومى لإدخال وتوزيع مياه الشرب الصالحة إلى العامة المتطورة والتى امتد نشاطه إلى أسيوط عام 1888م ثم حلوان وهو المشروع الذى عرف باسم شركة مياه القاهرة لاحقا.كما كان سبق له أن أصدر أمر بتوصيل الغاز وتنوير الشوارع العامة عام 1869/ وهو نفسا لعام الذى قرر فيه إسماعيل إنشاء بلدية القاهرة لتتولى تنظيم وعمران المدينة.وسبق تلك المشاريع كلها مشروع تنظيم المرور فى العاصمة بعد توسيعها ووصول عدد السكان إلى نصف المليون وإنشاء نظام (القواصة) السوارى على الطرق الطويلة لمراقبة سير العربات حيث وصلت إلى مسامع الخديو إسماعيل أن اصطدامات جرت بين الأهالى وأصحاب إحدى مركابت المسرعة مما تسبب فى موت بعض الأهالى. مى رشدى صالح