يرى البعض أن الحياة تربط الحاضر بالمستقبل من خلال أعراف و تقاليد تتوارثها الأجيال من جيل إلى جيل , و قد يكون في هذا النقل و التقليد سلوكيات كثيرة غير محببة و غريبة عن أغلب البشر المعاصرين لهذا المكان و الزمان , و قد يكون انتقال الموروثات بين الأجيال في حالة ضعف و تفكك و ذلك لانتشار التكنولوجيا , و لأن العالم أصبح قرية صغيرة , فالتقاليد أصبحت تنقل من المديا الإعلامية أكثر من انتقالها من الآباء و الأجداد , و أصبحت القدوة تأخذ من التلفزيون و المشاهير و الإعلانات الغربية الدخيلة على أعراف و تقاليد المجتمعات الشرقية المحافظة . و جدت أن اغلب شبابنا هو شباب باحث عن الشهرة و المجد و أن لم يحصل عليه فلا مانع من تقليد الفنانين و المشاهير , فقد لاحظت أن هناك من يقلد الفنانين ليس في صوتهم و هو ما كان متعارف عليه و كان الناس يقولون ( فلان صوته مثل كذا أو كذا ) و لكن الغريب هو أن حدث تقليد في الملابس التي يرتادها المشاهير فتجد الشاب يرتدي ملابس غريبة عن بيئته التي تربى عليها أصبح يقلد دون وعي أو فكر و أتذكر عندما قلد الشباب في الستينات ( الفنان عبد الحليم حافظ ) حتى في الكلام و الملابس و تسريحة الشعر , و تبعه تقليد البنات للراقصات ورقصهم , و بعد ذلك الفنان احمد ذكي في قصة شعره ( كابوريا ) و ما قام به بعض الشباب بقص شعرهم مثله و تبعه الفنان عمرو دياب بوشم نفسه و الكتابة على جسده و قلده في ذلك شبابنا الضائع الباحث عن الشهرة الكذابة بتقليده للفنانين و توالت التقاليد الغريبة و العجيبة و الخارجة عن أعرافنا و تقاليدنا . و بالطبع حدث تطور مع الزمن في فن التقليد الأعمى للمشاهير , و لكن الكارثة هنا أصابت بعض نساء العرب وهنا حقا أدعوها كارثة , فقديما قال الشاعر حافظ ابراهيم ( الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبا طيب الأعراق ) و تعمد الغرب عبر ستون عاما مضت منذ ظهور التلفزيون أن يتم توجيه برامج خاصة للمرأة تعبر عن حرية المرأة و أنها مظلومة في المجتمع العربي و كانت أغلب هذه البرامج هدفها تحرير المرأة من تقاليد المجتمع الرجعي و المتخلف من وجهة نظرهم , و أن تحرير المرأة يأتي من خلال أمثلة غربية نادت بتحرير المرآة من سيطرة الرجل ولكن كان هذا هو الظاهر فقط و لكن الباطن كان هو العمل على تفكك المجتمع العربي من خلال تقوية المرأة ضد الرجل و العمل على أن الاثنين لا فرق بينهم و نتذكر جميعا مسلسل ( هو و هي ) و المقولة المشهورة ( البنت زى الولد ) و كان المعنى أن الاثنين أحرار و أن حرية البنت مثل حرية الولد وهذا خطأ كبير لعبت عليه بعض القوى التي لا تريد خيرا لنهضة عربية, فديننا الحنيف يحفظ للمرأة عفتها و يصون كرامتها ولا يهينها أو يهدر آدميتها و قد حدث تقليد أعمى من بناتنا العرب للفنانات الأجانب مثل شاكيرا و غيرهم , و طبعا كلما زادت الحرية للمرأة بتقليد الأجانب زاد التفكك الأسرى و الذي ينتج عن زيادة نسبة الطلاق في المجتمع العربي عامة و المصري خاصة , فلم تعد هنا الأم مدرسة و لكن أصبحت الأم ( شاكيرا ) و مثيلاتها , فكيف تستقيم الحياة بين شباب تائه و ضائع بين ثقافة عربية إسلامية متدينة و ثقافة غربية متفتحة غير مبنية على الدين أو على الأخلاق وإنما بنيت على الحرية الجسدية و ليست العقلية , أين هي المرأة العربية الآن من أسماء بنت أبي بكر الصديق التي صعدت إلى ( غار ثور ) لإطعام رسول الله صلى الله عليه وأبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد قطعت مسافة ثلاثة أميال في الليل لا تستطيع بنت من بنات اليوم أن تقطعها إلا و كان البكاء من نصيبها والتعب رفيقها و تقسم ألا تكررها مرة ثانية , لكن أسماء كررتها مرة تلو المرة و هي سعيدة و فرحة بإطعام رسول الله و إطعام أبيها أبو بكر الصديق. و قد انتقل تقليد الشباب للفنانين إلى الرياضيين و مشاهير كرة القدم فقط , و لكن ليس عن طريق لعب كرة القدم لكن عن طرق المظهر الخارجي لهم مثل اللاعب ( إبراهيم سعيد ) لاعب المنتخب المصري عندما قام بصبغ شعره مرة بالأحمر و مرة بالأصفر و مرة بالأخضر و قلده الشباب في التفاهات , و بعد ذلك أصبحت كرة القدم هي الشغل الشاغل للشباب , وقديما عندما تسأل طفلا ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ يقول لك مثل والدي كذا أو كذا أو ضابط أو دكتور أو مهندس , أما الآن عندما تكرر عليه السؤال سوف يقول أبقى مثل فلان لاعب الكرة أو الفنان كذا أو كذا , لقد تغيرت مفاهيم القدوة لدى أطفالنا و أصبح لدى أطفالنا قدوة غير الأب و هذا دليل على أن بعض الآباء لم يعدوا هم القدوة الحسنة لدى أطفالهم , وقد حذرت أبحاث طبية من التقليد الأعمى للمشاهير على السلوك النفسي الضار للمراهقين و المراهقات و إنهم يصابوا بحالة من فقدان الثقة لكونهم ليسوا هم المشاهير و أن أصواتهم و أجسامهم ليست مثل أصوات و أجسام من يقلدونهم وإنهم خيال ظل لغيرهم , فيكون الإحباط و اليأس من نصيبهم . أرى أن أغلب البرامج التي تقدم لا تقدم الفنان القدوة الحسنة فالفن أداة تنقل المعلومة بيسر و سهولة في أسرع وقت , و لكن مضمون هذا النقل يقع على عاتق الكاتب و المخرج و الفنانين , لذا يجب على من يظهروا على شاشات التلفاز أن يكونوا قدوة في الظاهر و في الباطن و أن نبعد عن الفنانين المقلدين للغرب حفاظا على بناتنا و أبنائنا و العمل على أظهار المشاهير الذين يستحقون أن نسمع لهم و أن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم , و يوجد فنانين على الساحة قادرين على أحدث طفرة في الفن بجميع وسائله السينمائي و التلفزيوني و الإخباري و الإعلامي و غيرهم , فكلهم في سلة واحدة و هي أنهم يدخلون بيوتنا دون استئذان , و أن من يمسك جهاز التحكم قد يكون طفلاً أو طفلة , تستقي خبراتها في الحياة من هذا التلفاز , وهنا نكون قد بدأنا في زرع أفكار جديدة تبنى عليها قيم و أخلاق بلادنا العربية أتمنى أن نجد من أطفالنا من يقول أتمنى أن أصبح عالم مثل زويل أو كاتب مثل طه حسين أو داعية مثل الشعراوي في هذا العصر الحالي الأم هي قدوة ابنتها و هذا هو ما يجب أن يكون وبخلاف ذلك لا تستقيم الأمور الكاتب / أ / محمد فاروق ابوفرحه