نشر الباحث في الشؤون العربية "دايفيد شينكر" في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" بحث تناول فيه "الموقف الحالي على الحدود السورية التركية، حيث يسلط الضوء على العلاقات المتدهورة بين البلدين، فخوفاً من وقوع مذبحة أخرى ترتكبها حكومة دمشق، يتدفق مئات السوريين المدنيين إلى داخل الأراضي التركية، وهو تطور سيؤدي إلى تفاقم التوترات ويدفع أنقرة إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً من دمشق، ومن ثم زيادة عزلة نظام الأسد في النهاية". واشار الى ان "التحول في سياسة تركيا ينبغي أن يزود واشنطن والغرب بالفرصة، إن لم يكن بالحافز، لتبني موقف أكثر حزماً بشأن سوريا"، وبعد سنوات عديدة من العداء بين البلدين، نجد أن السرعة التي تطورت بها العلاقات التركية السورية تلفت النظر، فبين عامي 2002 و 2009، أبرمت سوريا وتركيا ما يقرب من 50 اتفاقية تعاون بينهما، وأعلنتا عن إنشاء "المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي" وأجريتا أول مناورات عسكرية مشتركة في تاريخهما. وفي الآونة الأخيرة، وتحديداً في عام 2010، وقعت تركيا وسوريا اتفاقية تاريخية لمكافحة الإرهاب وأتبعتاها منذ شهرين فقط بمعاهدة لمكافحة التمرد. وبحلول عام 2011 كانت تركيا قد أصبحت أكبر شريك تجاري لسوريا. وقد كانت العلاقات بين البلدين مُبشرة إلى درجة كبيرة بحيث أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو كان قد صرح في عام 2009 بأن الدولتين تشتركان في "مصير وتاريخ ومستقبل مشترك". وقد تكرر مسار علاقات تركيا الناشئة مع دمشق من خلال صلاتهما المزدهرة مع المنافس الإقليمي السابق وهو طهران مما سهل تطبيق سياسة خارجية تتبع نهج "تفادي المشاكل مع الجيران." وربما ليس من المدهش أن يتزامن تنامي علاقات أنقرة مع هاتين الدولتين الإرهابيتين، مع تبريد العلاقات مع واشنطن وإسرائيل. تدهور العلاقات ولكن بعد ذلك وصل "الربيع العربي" إلى سوريا، وعندئذ تدهورت العلاقات بين دمشقوأنقرة بنفس السرعة التي كانت قد تحسنت بها. وعندما تزايد عدد القتلى من بين المحتجين المدنيين الأبرياء في سوريا، خرجت تركيا عن صمتها إزاء التطورات التي تحدث في جنوب البلاد. واشار الباحث الى انه "في وجه الفظائع الواضحة، على الأقل في البداية، عارضت أنقرة مهمة منظمة حلف شمال الاطلسي في ليبيا، وربما كان موقف أردوغان غير المسبوق تجاه سوريا متأثراً بالسياسات الانتخابية بهدف اثارة عواطف الناخبين الأتراك في الانتخابات البرلمانية الأخيرة". ويُشير الاستغلال الساخر من قبل أردوغان في قضية أسطول "مافي مرمرة" حول تقديم المساعدة إلى غزة في أيار 2010، إلى أن هذا النوع من الاستغلال للمشاعر الشعبوية ليس مستبعداً عند "حزب العدالة والتنمية". وبغض النظر عن السبب في تغيير أنقرة لنبرتها تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن هذا التطور جديراَ بالترحيب، فمن دون تركيا يكون الأسد في الوقت الراهن أقل حصانة وأكثر عرضة للضغوط الخارجية، كما يكون النظام السوري أقل أمناً. وبالفعل لا تبتعد تركيا فقط عن نظام الأسد بل تتطلع إلى المساعدة على تنظيم من سيخلفه. وفي الأسبوع الماضي، وفي خطوة جريئة واستشرافية للمستقبل، استضافت تركيا مؤتمراً للمعارضة السورية على أراضيها، كان بمثابة تصريح واضح من جانب "حزب العدالة والتنمية" بأنه قد اعتبر بأنه ليس هناك سبيل لإصلاح الأسد. وبجهدٍ قليل وحظ أوفر سوف تحذو واشنطن حذو تركيا في قيادتها لهذا التغيير". وفي السياق نفسه، يسلط مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن سونر چاغاپتاي، في مقال نشرته "فوين بوليسي"، الضوء على التحول في الموقف التركي ازاء سوريا من منطلق ان "كيفية تعامل تركيا مع الانتفاضات في العالم العربي ستلعب دوراً هاماً في تحديد هويتها الدولية لسنوات قادمة". ويوضح الكاتب أنه "منذ وصوله إلى السلطة عام 2002، تبنى "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا سياسة "تفادي المشاكل" مع جيرانه حيث حاول حل النزاعات القائمة منذ زمن طويل وركز على أهمية التعاون بدل المواجهة. كما أطلق الحزب عملية تقارب مع سوريا ودول عربية أخرى، مما أدى إلى حدوث تحسن كبير في العلاقات بين سوريا وتركيا في أوائل عام 2003. إن تدليل تركيا لنظام الأسد ليس من منطلق الرفق أو المحبة. ففي عام 2003، كان "حزب العدالة والتنمية" يتطلع إلى توسيع نفوذ تركيا في اتجاه الشرق، وكانت سوريا تتمتع بشعبية في صفوف اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين، وبالتالي كانت تعتبر بوابة منطقية لهذا الغرض. وفي ذلك الحين، كان يبدو أن النظام السوري يحكم قبضته على السلطة داخلياً، لكنه كان يواجه ضغوطاً دولية هائلة بسبب الاشتباه في تورطه في عمليات اغتيال سياسية في لبنان واستضافته لمجموعة "حماس" الفلسطينية المتشددة وسماحه بتسرب المقاتلين الأجانب من أراضيه لمهاجمة القوات الأمريكية في العراق. لقد وفرت تركيا دعماً سياسياً واقتصادياً لنظام الأسد كان في أشد الحاجة إليه، حيث ساعدته على الخروج من عزلته الدولية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي كان في أمس الحاجة إليها؛ وهو ما لم يستطع تحقيقه تحالف سوريا مع إيران القائم منذ فترة طويلة. ولفت الى ان " الانتفاضة السورية الحالية أوقفت هذه الشراكة الاستراتيجية وكانت بمثابة ضربة مدوية لها، كما كان على تركيا أن تتعامل مع احتمال استمرار الفوضى في شمال غرب سوريا الذي من شأنه أن يفتح المجال أمام المتشددين الأكراد باستخدام المنطقة كقاعدة لشن عمليات ضدها". يقول مثل تركي شهير، في إشارة طريفة إلى مدينة دمياط المصرية، "قد يخسر المرء أرزه وهو يحاول الاستيلاء على دمياط". أو بعبارة أخرى، قد تخسر تركيا العرب كلهم، شعوباً وحكاماً، إذا راهنت على الحصان الخاسر".