المراقب لحركة فتح وهي تبدأ مرحلة البناء من جديد ، والمقصود هنا بالطبع إعادة بنائها ، الذي تأثر نتيجة الانقسام، ونتيجة الخلافات الداخلية لقيادات الحركة ، التي لا يمكن الاستسلام لها ، وهي على أبواب معركة انتخابية ، لإعادة الاعتبار للحركة ، ومصالحتها مع شعبها، الطامح إلى عودتها إليه ليقودها إلى بر الأمان . ومع وجود الأخ الدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في غزة ، والتواصل مع قيادات الحركة في غزة ، لإعادة البناء لهيكلها التنظيمي ، كنا نتمنى وجود كافة أعضاء اللجنة المركزية وخاصة الغزيين منهم ، لتشكيل غرفة عمليات لإعادة الروح لعمل وأداء الحركة ، بمدها بالأكسجين الشعبي ، والتوقف عن أعطاها الأكسجين الصناعي ، وعمليات الترقيع والتجميل ، لأهداف شخصية ومصالح ذاتيه ضيقة. حركة فتح التي قادت العمل الوطني ، منذ فجر تاريخ نضال الشعب الفلسطيني المعاصر ، كان سر قوتها دائما أنها حركة جماهيرية ، يتم قيادتها من تشكيلات شعبية ، يتساوى فيها الإخوة في الحقوق والواجبات النضالية من الخلية إلى المركزية، فكان الفتحاويين شركاء بكل تشكيلاتهم في صناعة القرار ، ورسم السياسات ، وتحمل النتائج ، الأمر الذي كان يحرص عليه الرئيس الشهيد ياسر عرفات ، وكان يحرص على أن يكون في تماس متواصل مع القاعدة والقيادة ، يتواصل مع الجماهير الفتحاوية في أحلك الظروف ، فكما كان يسافر إلى كل الدنيا ، لحشد التأييد للقضية الفلسطينية، في نفس الوقت كنا نجده دائما مع الجماهير ، يحشدها ويقف إلى جانبها في المنشد والمكره ، لدرجة أن ياسر عرفات أصبح يعرف كل أعضاء الحركة ، في كل الساحات التي تتواجد بها الجماهير الفلسطينية. ولم يكن الرئيس عباس بعيدا عن الخيار الشعبي ، رغم أن الظروف السياسية ، والواقع على الأرض لم يمهله كثيرا بسبب الانقسام الداخلي ، والإجراءات الإسرائيلية على الأرض في الضفة الغربية، فشكل الأمرين ثنائي عرقل إلى حد كبير عملية التواصل مع القواعد الشعبية في مواقعها، والذي تسبب بالفجوة بين القيادة والقاعدة. ونحن في إطار الحديث على الخيارات الشعبية ، وقوة القاعدة الفتحاوية على الأرض ، لابد أن نذكر الخيارات الشعبية في السابق ، وكيف حققت الحركة نجاحات كبيرة ، عندما أعطت القاعدة الفتحاوية حق اختيار أعضاء المجلس التشريعي الحالي، فتكفلت القاعدة الفتحاوية في ضمان نجاح خياراتها في تلك الانتخابات ، فيما لم تستطيع قيادة الحركة بكل قوتها أن تأخذ بيد خياراتها إلى قبة البرلمان ، حيث شكل إخفاق حركة فتح في الانتخابات صدمة حتى لحركة حماس التي لم تتوقع فوزها ، إلا أنها استفادت بالتأكيد من عقاب الجماهير الفتحاوية لقيادتها التي تجاهلت إرادته ، والذي شكل خروج عن أبجديات الحركة ، بمشاركة القواعد الحركية في قراراتها ، واختيار ممثليهم في المجلس التشريعي. ونحن نتأمل في خيارات القاعدة الفتحاوية في المجلس التشريعي ، التي أثبتت جدارتها وقوة تأثيرها في أصعب الظروف ، لابد أن نذكر الأخ اشرف جمعه النائب في المجلس التشريعي ، والذي كان من أقوى خيارات القاعدة الفتحاوية في محافظة رفح ، ومرشحها في المجلس التشريعي ، فالأخ أبو مصطفي من المناضلين الذين تحملوا مصاعب وتهديدات كبيرة من اجل الدفاع عن أبناء الحركة، والوقوف إلى جانبهم في أحلك الظروف . فالكثير من الخيارات وجدناها غادرت غزة في أول أيام الانقسام، فيما بقيت خيارات القاعدة الفتحاوية معها ودافعت عنها ، وتحملت الكثير من اجلها ، وكانت حماس تواجه صعوبة في التعرض لهم ، لمعرفتها بقوة تأثيرهم في القاعدة الفتحاوية والجماهير التي استندوا إليها في محافظة رفح ، والتي تقف معهم بكل قوة ، ولم تتخلى عنهم كما لم يتخلوا عنها في يوم من الأيام. ونحن نطوى أيام الانقسام المظلمة ، لابد أن نذكر من كان يأخذ بيد أبناء حركة فتح ، ويحاول أن يشد من عزائمهم ، ولا يفقدهم البوصلة الوطنية ، بتواصله مع الصغير والكبير من أبناء الحركة ، لنعرف المعادلة في أبجديات العمل الوطني ، أن الأحداث والظروف الصعبة هي التي تصنع وتؤهل القيادات والمناضلين ، فيما تكون عامل طرد للمتسلقين وضعفاء النفوس الباحثين عن المكاسب، الذين لن يخدع الشعب بهم مره أخرى، فحركة فتح حركة مناضلة يجتمع المناضلين في رحابها ، تدافع عنهم ويدافعون عنها في الصعاب والشدائد. فمن ترك غزة وأبنائها ، وتعامل معها كبلد أخر يقوم بزيارته ، في الظروف الصعبة التي مرت بها ، دون خطر وتهديد حقيقي على حياته ، لن يقبل منه اعتذار لتخليه عن مسؤولياته وواجباته اتجاه أبناء الحركة ، الذين كانوا في اشد الحاجة وما زالوا لمن يسمعهم ويأخذ بيدهم ، ومخطئ من يعتقد انه سيحمل على الأكتاف ، ويستقبل استقبال القادة ، فلسان الفتحاويون يقول : "جزا الشدائد خيرا عرفتني العدو من الصديق" . واليوم والحركة تعيد الروح إلى نفسها من جديد ، يجب الارتكاز إلى خيارات القاعدة الشعبية التي أثبتت جدارتها وقوتها في الميدان ، والتي استطاعت خلال أزمة الانقسام أن تجد بدائل كثيرة للحفاظ على الحركة بالحد الأدنى ، لتحافظ على أبنائها ، وفي نفس الوقت لا تنزلق إلى صراعات جانبية تعزز الانقسام ، وتزيد من حالة التفسخ الاجتماعي الفلسطيني ، التي سيكون الاحتلال الرابح الوحيد منها ، فالمراقب لأبناء الحركة سيجد إصرار غريب من أبنائها على النهوض بها من جديد ، لتتحمل المسؤولية ، فأصبحنا نرى أساتذة جامعات يضعون أنفسهم تحت تصرف أمين سر المنطقة التي يعيشون فيها ، لمشاركته في العمل والنشاط الحركي ، وان كان اصغر منهم سنا ، واقل درجة علمية ، إلا إنها أسس العمل التنظيمي ، والتفاني من اجل الصالح العام ، وهذا ما لم نشاهده سابقا ، إلا إنها التجربة المريرة الصعبة التي مرت بها الحركة وشعبنا الفلسطيني ، والثمن الباهظ الذي دفعه ، عندما غاب أو غيب الكثير من الكفاءات ، عن المشهد ، وترك القرار لحسابات شخصية وتكتلات مصالحيه ، بعيدا عن الصالح العام. ونحن نشاهد هذه الروح الجديدة في العمل ، والإصرار على إصلاح الحركة وأدواتها ، بنفس الإصرار على إنهاء الانقسام وكل نتائجه ، يجب علينا أن نطالب الصف الأول في القيادة الفتحاوية أن تصفي خلافاتها ، وان تبدأ مرحلة جديدة في العمل ، وان يكونوا في مستوى الروح الموجودة لدا أبناء الحركة ، وإصرارهم على العودة إلى الزمن الجميل للحركة ، لان البدائل المتاحة أمامهم صعبة ، ففتح اليوم في حاجة إلى كل كوادرها وعناصرها ، ابتداء من رجل الخلية الأول ، وانتهاء برجل المركزية من يرسم القرارات ويتخذ السياسات، ولم يعد مقبول ارتهان الحركة ، وما تشكله من ضامن للمشروع الوطني الفلسطيني ، في خلافات وتلاسن من هنا وهناك ، فالجميع مطالب أن يكون على قدر من المسؤولية ، حتى لا تبدوا الحركة في نظر البعض أقلية لن تستطيع أن تغير من واقعها. فإذا كانت حركة فتح تريد أن تخرج حماس من الباب الذي دخلت منه ، بالأساليب الديمقراطية، والخيارات الشعبية ، وإذا كانت تريد إعادة الزخم الشعبي لها ، في مواجهة التحديات في الفترة المقبلة ، ونحن على أبواب استحقاق أيلول ، وإعلان الدولة ، فهذا لا يمكن أن يتم إلا بالتصالح مع شعبنا ، وبالتصالح مع داخلها ، وان يتم تذويب كل الخلافات، والتوقف عن تجاهل اطر الحركة، وإعطائها دورها الطبيعي في إعادة الروح لعملها وأدائها ، بما يضمن قدرتها لتحقيق الأهداف التي انطلقت من اجلها، في إقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف.