إبراهيم قويدر كم من دماء لليبيين يجب أن تُهدر قبل أن يتوافق الثمانية الكبار (والكبير هو الله) على حقن دمائنا في المدن والقرى الليبية التي تواجه بحق أبشع جريمة ضد الشعوب في هذا القرن وفي العصر الحديث؛ عصر الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان.
الآلة العسكرية التي تقصف وتضرب وتخرب المدن الليبية آلة يقودها أناس مجنونون لا يخافون الله، يعيشون على أكاذيب السلطان الذي فضح نفسه على المستوى العالمي، أما المستوى الوطني، فالليبيون يعرفون جيدًا الأكاذيب الكثيرة التي يعتقد أنه يطليها على الشعب الليبي؛ لكنها لم ولن تنطلي أبدًا عليهم، ويقول الليبيون عن ذلك عبارة باللهجة الليبية "كذاب وملاطعي"، يعنى أن هذا النوع من الكذابين لديهم القدرة على أن يؤلفوا الكذب في وجه محدثيهم، ويواجهونه مباشرة بالكذب، وهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنه كذب؛ لكنهم يفعلون ذلك، ومع تكرار أكاذيبهم بمرور الزمن يصدقون ما قالوه كذبًا، ويصبح كأنه هو الحقيقة، أما غير ذلك فهو الكذب والباطل، وبهذا يصير عندهم الكذب حقيقة، والحقيقة كذبًا.
فقد قال القذافي للغرب قبل أسابيع: إن الثوار من مجموعة القاعدة ومجموعة بن لادن، ثم بعد أسبوعين قال: إذا وقفتم ضدنا- أي الغرب- فسنتحالف مع القاعدة. وغير ذلك كثير، وفي تطرقي لعملية الكذب الرسمي والإعلامي التابع؛ أريد أن أوضح أن بعض المحللين والمتابعين ربطوا بين تباطؤ ومماطلة الغرب وأمريكا في اتخاذ قرارات الحظر الجوي، وبين إمكانية تصديقهم لهذه الافتراءات، وهنا أريد أن أؤكد أنه منذ أول يوم وهم يعلمون أنه لا علاقة للشباب الثائر في المدن الشرقية وبنغازي بتنظيم القاعدة؛ لكنهم فوجئوا بأنهم ليس لديهم معلومات واضحة عن هؤلاء الذين يمكن أن يحكموا ليبيا، وغفلوا عن أن هذا الشباب ينادي بما هو مسطر في دساتيرهم من: حرية، وعدل، ومساواة، وتداول للسلطة، وديمقراطية حقيقية؛ لكنهم في عالمنا العربي- خاصة النفطي- لا ينكرون توجهاتهم هذه ودعمهم لها؛ لكنها مشروطة بأن تفرز قيادات من صنعهم، "ففي مصر على سبيل المثال لم تصبهم الحيرة التي أصابتهم في ليبيا؛ لأن لديهم أكثر من مرشح على الأرض المصرية الآن، وإن لم يكن كلهم، ولن يجدوا صعوبة في التعامل معهم من أجل تحقيق الأمن الدائم لحليفهم الوحيد والدائم في المنطقة، وهي إسرائيل.
ويلاحظ أنه منذ بداية اندلاع الثورة الشعبية الليبية كانت حرارة الاعتراض والاستنكار لممارسة العنف ضد المدنيين عالية السقف في أمريكا، ثم بدأت تنخفض شيئًا فشيئًا، ولعل الدولتين اللتين لم يغيرا حماسهما هما فرنسا وبريطانيا، ولا أريد التطرق إلى الموقف النفعي الروسي والصيني، علاوة على الموقف ذاته من بعض الدول الأخرى التي لديها الكثير من كبار رجال مخابراتها، وتم شراؤهم منذ زمن وأغدق عليهم الكثير من قبل المخابرات الليبية، ولهم تأثير في التوجهات والقرارات الرسمية لهذه الدول.
وبالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، فالوضع يختلف قليلاً، فأمريكا لا تدخل ليبيا كثيرًا في دائرة الأولويات الاقتصادية التي تؤثر في الأمن القومي الأمريكي؛ لكنها تتمنى أن يأتي نظام موالٍ لها، صادق معها، يستطيع أن يقدم لها التسهيلات اللوجستية إذا احتاجت إليها لمواجهة أي طارئ مستقبلي يمس أمنها القومي من أوروبا أو إفريقيا.
ولكنى اعتقد جازما أن الامور شيئا فشيئا ستنكشف لان الحقيقة لا يمكن ان تنجح اكاذيب وألاعيب القذافى فى طمسها لان عين الشمس بالغربال وحتما والامل كبير بعون الله تعالى سيتظامن معنا المجتمع الدولى من خلال قرار غير مسبوق للقظاء على الظلم والاستبداد .
ومن ناحية أخرى، وهي الأهم، أنه بعد الأسبوع الأول من الثورة الشعبية الليبية تم اتصال مباشر بين الأسرة الحاكمة في ليبيا وبين شخصيات مؤثرة في صنع القرار بإسرائيل، وكان في دائرة الوساطة، كما نشر في بعض الأخبار على الشبكة العنكبوتية العالمية، أحد كبار رجال أمن السلطة الفلسطينية الذي له علاقة وطيدة بالموساد الإسرائيلي مع صديق فلسطيني له، وهو رجل أعمال معروف، له عدة جنسيات- أخرج الدولة الإسرائيلية عن صمتها المعهود نحو تأليب اللوبي اليهودي بالولايات المتحدةالأمريكية المعروف بتأثيره على قيادات وزارة الدفاع والبنتاجون، مما أدى إلى ظهور المواقف المترددة، والحجج المختلقة التي بدأ التصريح بها، والتي جعلت الرئيس الأمريكي في موقع حرج؛ لكنه لم يغير رأيه، ثم جاء موقف وزارة الخارجية باعتباره رأيًا وسطًا بين الرأيين. فالأمريكيون والأوربيون يعلمون جيدًا أن فاتورة التكلفة للحظر الجوي سيحصلون على قيمتها من ليبيا بعد التحرير؛ لكن نرى بعضهم يتحجج بالمصروفات كحجة واهية.
كنت أتمنى أن يكون موقف العرب فى هذا الجانب أكثر شدة، فإن هناك دولاً عربية تستطيع أن توجه إنذارًا واضحًا وصريحًا بأنه إذا لم يوقف القذافي القصف على المدنيين الليبيين، فإنها ستدخل عسكريًّا لحمايتهم بحكم الأخوة العربية والإسلامية، خاصة وأن بعض هذه الدول لديها العديد من الرعايا يسكنون فى المناطق التى تتعرض للقصف.
ودعوتي الآن لرجال الثورة والمجلس الوطني المؤقت وإلى كل الشعب الليبيي: اعتمدوا على أنفسكم وتعاملوا معهم بلغة (البيزنس)، احصلوا على السلاح بفواتير مؤجلة الدفع، أو بتسهيلات من دول مجلس التعاون، واستمروا في كفاحكم الثوري، وأوقفوا أي رأي آخر في أي موضوع إلى ما بعد التحرير، وركزوا فقط على تحرير ليبيا ووحدتها الوطنية، واعملوا من أجلها، واعلموا أن القضية ليست رحلة كفاح محددة المدة، لأن القتال فرض عليكم، بل اعملوا على الدفاع عن ثورتكم مهما طال زمن المعركة، وعلى شبابنا الإعلامي أن يعملوا على مكافحة الإشاعات، وأن يقدموا الحقائق للناس؛ لكي يثقوا فيهم ويسمعوا ما يقولونه لهم، وعلى قيادة الجيش الوطني أن تقدم البيان تلو البيان في كل وسائل الإعلام؛ ليكون مصدرًا صادقًا لكل ما يجري لكي لا نترك الساحة لأكاذيب الإذاعة والتلفزيون المغلوب مذيعوه ومحرروه على أمرهم، وسيروون لنا كثيرًا من الروايات عندما تتحرر ليبيا الحبيبة.
يا شباب ليبيا: تماسكوا وتعاضدوا، تكافلوا وحاربوا كل من يريد أن يفرق بينكم، ولن نشكّ أبدًا في أن نصر الله قريب؛ لأنه صراع بين الخير والشر، وحتمًا مهما طال الزمن فسينتصر الخير.