يتناول مجدي أحمد حسين أمين عام حزب العمل المجمد في رسالته الثانية والعشرين من وراء القضبان أحوال المواطن المصري الإقتصادية ومقارنتها بالأحوال الاقتصادية العالمية تحت عنوان "جهاز تكييف وسيارة لكل مواطن" وإليكم نص الرسالة الذي حصلت عليها "مصر الجديدة": أحاول أن أهرب في هذه الرسائل من أحوال الاقتصاد المصري إلى أحوال الاقتصاد العالمي، فكتبت أحيانا عن الأزمة العالمية، أو إنجازات الدول الصاعدة البرازيل والهند، أو التنافس الصيني - الأمريكي, لأن أحوال الاقتصاد المصري أصبحت أقرب إلى العبثية، وأي دارس للاقتصاد مثلى، يجد صعوبة في إيجاد علاقة بين ما يجرى في مصر حاليا وعلم الاقتصاد من أي مدرسة كانت، إن أحوال الاقتصاد في مصر جديرة بأن تناقش في صفحة الحوادث وعلى يد محرر متخصص في متابعة الجريمة من خلال البلاغات التي تقدم لأقسام الشرطة! مثلا حاولت أن أجد مرجعا حول أوضاع الصناعة الحالية فلم أجد إلا نتفا لا تقدم صورة إجمالية، حتى تقارير الأهرام السنوية التي يحررها المحلل الإقتصادي الممتاز أحمد النجار فإنك لا تجد فيها شيئا عن الصناعة، ولا شك أنها لم تسقط منه سهوا، بل الصناعة برمتها هى التي سقطت سهوا من الحكومة، حيث جعلت الصناعة تابعة لوزارة التجارة والصناعة، لصاحبها رشيد، وأنه انشغل بالتجارة وترك الصناعة، وهو مشغول بعقد اتفاقات تجارية مع دول العالم تكون عادة لصالح هذه الدول وليس لصالحنا فهم يصدرون لمصر أو يستثمرون فيها، دون أن نكون قادرين على ممارسة العكس! ولعلكم سمعتم في كثير من الخطب الرئاسية والبيانات الوزارية حديثا عن المنطقة الصناعية الكبرى في غرب السويس بالتفاهم مع الصين، كواحدة من أهم منجزاتنا الصناعية، حيث صدر قرار جمهورى بإنشائها عام 2003 على مساحة 90 كيلو مترا، ثم تبين أنها لا تزال بعد 7 سنوات مجرد قطعة من الصحراء الجرداء! رغم إنفاق 100 مليون جنيه عليها حتى الآن!! وأن نشاط الهيئة العامة المختصة بهذا المشروع قد اقتصر على بعض المقايسات والمؤتمرات والندوات والسفريات إلى الخارج. وقد تبين بعد إصدار القرار الجمهورى أن 70 كيلومترا من ال90، مملوكة لرجال أعمال كأحمد عز وغيره. ومع ذلك فحتى ال20 كيلومترا لا تزال بدون أى نوع من المرافق: كهرباء - مياه - اتصالات - غاز طبيعى. ومع ذلك فإن مرتبات الشباب المعينين بالهيئة - التى لم تتجاوز قطعة أرض صحراوية جرداء - وصلت إلى 12 ألف جنيه شهريا, وهم بلا شك من الشباب المحظوظ ذوى الوساطات العالية. أما رئيس الهيئة السابق فقد حصل على 42 ألف جنيه كمصاريف مكالمات محمول سيادته خلال 9 شهور، ولا ندرى كم سيأخذ إذا كان العمل قد بدأ فعلا؟! وأن الشركة فتحت مكتبها فى الزمالك (وليس فى السويس!) ب 800 ألف جنيه كإيجار، وأن العلاقات العامة (رغم أن العمل لم يبدأ بعد) بلغت تكاليفها 400 ألف جنيه أيضا خلال 9 شهور (وهى المدة التي كتبت عنها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات) أيضا خلال هذه المدة حصل مستشارون على 400 ألف جنيه، ولا ندرى في ماذا يستشارون؟! بالإضافة لنصف مليون جنيه من السفر للخارج. ألم أقل لكم أن أخبار الاقتصاد وتحليلها مكانها في صفحة حوادث؟! ومع ذلك فلم يصل للنائب العام أي بلاغ حول ذلك، وماذا سيفعل النائب العام هل سيتحول إلى وزير اقتصاد، ليتابع مختلف مشروعاتنا الاقتصادية الفاسدة. بل في كل مشكلات مصر نقول: (هذا بلاغ للنائب العام!!) حتى تحول النائب العام إلى رئيس جمهورية مصر، ومع ذلك ولأنه يعلم حدود سلطاته في الواقع، فإنه لا يبت في معظم ما يعرض عليه!! كذلك فإن أحوال الاقتصاد يمكن تناولها في باب أخبار خفيفة، فالمعروف أن كل صحيفة تخصص مساحة لراحة القارئ وتسليته يكون بها كلمات متقاطعة أو تنبؤات فلكية، وبعض الأخبار الخفيفة، عن طلاق فنانة، أو رجل عض كلبا في الأرجنتين.. إلخ, ويدخل في هذا الإطار ما قاله نظيف وعز مؤخرا، فالأول (رئيس الوزراء) تحدث عن شراء المواطنين ل 750 ألف جهاز تكييف خلال عام كدليل على الرفاهية والازدهار الإقتصادى، وارتفاع دخول المواطنين، وقال الثانى (أمين تنظيم حزب الحكومة) أن المواطنين اشتروا مليون سيارة، وهذا من قبيل كلام القهاوى حيث يجلس الناس فى أوقات الفراغ يلعبون النرد (الطاولة) ويتحدثون في شئون البلاد، ببعض الملاحظات المتقطعة بين كل رمية زهر وأخرى. فهل وصلت السطحية إلى هذا الحد عند المسئولين عن اقتصاد البلاد، أم هو الإفلاس والعجز لأنهم لا يستطيعون أن يقولوا الحقيقة (أنهم وباقي أعضاء المجموعة قد حققوا مكاسب هائلة لأنفسهم!). فإذا كانت هذه العقلية التي تدير اقتصاد بلد بحجم مصر فلماذا يصيبنا الاستغراب من أحوالنا. إن زيادة شراء أجهزة التكييف كارثة، لأنها تكلفنا المليارات ليس لأنها مستوردة فحسب، بل بما تشكله من إنفاق على الطاقة. وهى كارثة لأنها تكشف أننا نبنى مساكننا بشكل خاطىء. وهى كارثة لأنها تعنى سوء توزيع الدخل، فكثرة شراء التكييف، معناه زيادة استهلاك الطبقة العليا، لأن شراء فيلا جديدة لأى كبير تعنى شراء 10 أجهزة (إذا كان لديه 10 غرف)، وقد تؤدى زيادة الحرارة في الأعوام الأخيرة إلى قيام جزء من الطبقة المتوسطة بشراء تكييف بالتقسيط، وفى هذه الحالة يكون في ذلك عبء كبير على الأسرة, ليس بسبب الأقساط وحدها, ولكن بسبب فاتورة الكهرباء التي لم يقدروها. وأن مراعاة حرارة الطقس في عمليات البناء ضرورية لمنع هذه الظاهرة, لأنها مدمرة لموارد الطاقة المحدودة. أما شراء مليون سيارة فهو كارثة أخرى، ففي سنغافورة يتم رفع أسعار السيارات عن عمد لتقليل استهلاك السيارات، وزيادة الإعتماد على المواصلات العامة مع توفيرها بطبيعة الحال، وهذا يمنع الاختناقات المرورية، ويمنع التلوث (مع ملاحظة أن مستوى الدخول مرتفع بسنغافورة عن مصر بكثير جدا!) كذلك وبنفس معيار شراء التكييف، فإن الطبقة العليا تشترى سيارة لكل فتى وفتاة للذهاب إلى الجامعة أو للعمل أو للترفيه! وكذلك سيارة للزوج وسيارة للزوجة. وزيادة استهلاك السيارات دليل آخر على عدم العدالة فى توزيع الدخل، فهناك العاملون بشركات أجنبية قادرون على ذلك دون غيرهم. كذلك فإن السيارات تشترى للشركات، أو لتكون سيارات أجرة، وهذه الأخيرة تكون بالتقسيط.. كذلك فإن الإعتماد على الحل الفردى لأزمة المواصلات فى ظل نفس الكم من الطرق، سيؤدى - بل أدى بالفعل - إلى حالة من الإنسداد المرورى، وسنصل إلى حالة من التوقف التام فى القاهرة إذا استمرت هذه المعدلات، بينما سيظل معظم المصريين لا يقدرون على إمتلاك سيارة, باختصار أن زيادة استهلاكنا للتكييف والسيارات فى ظل أحوالنا الراهنة كوارث لا منجزات!