عاد الابن من مدرسته باكراً.. وجلس ينتظر والديه على مائدة الغداء .. مرت الدقائق كأنها سنوات ..ولم يأتى أحداً.. اضطر الولد حينها إلى أن يأكل بمفرده مثلما اعتاد كل يوم.. عاد إلى غرفته وهو مثقلاً بالأحزان ..إلى متى ستستمر حياتى بهذه الطريقة؟ أين أبى ؟ أين أمي؟ لماذا يريدان أن أحيا يتيماً بوجودهما.. إننى حزين لأننى أعود إلى البيت كل يوم ولا أجد سوى باب بيتنا فى انتظاري.. أدخل إلى البيت ولا أجد سوى جدران البيت تبتسم لي.. أحضر غدائى ولا أجد سوى صوت ملعقتى تشاركنى الغداء .. أذهب إلى غرفتى ولا أسمع سوى صوت القلم يناجينى ويحثنى على الدراسة .. أذهب إلى غرفة التلفاز ولا أرى سوى مقاعد فارغة تجالسني.. ويأتى المساء حاملاً معه كل أمالي.. بأن أرى يوماً والدى و قد عادا إلى البيت سعيدين غير متشاجرين.. فرحين بلقائى غير متجهمين.. أراهما كل صباح يستيقظان كقطة مذعورة ..وأراهما يركضان كل فى اتجاه .. تذهب أمى إلى المطبخ وتجهز لى طعام الإفطار ..ويأتى أبى مهرولاً لإيقاظى بصوت صاخب و ثائر .. وما هى إلا دقيقة واحدة حتى يختفى عن الأنظار.. ولا أراه بعدها إلا عندما يأتى المساء .. مرتدياً أجمل الثياب وذاهباً لحضور الاجتماعات مع كبار رجال الأعمال.. وأما أمى فتختفى هى الأخرى بعد تحضير طعامى ولا أراها إلا عندما يأتى المساء .. لترتدى هى الأخرى أفخر الثياب وتذهب بعدها للإلتقاء مع صديقاتها الجليلات.. ويمضى المساء وأمضى معه وحيداً متنقلاً بين المحطات والقنوات .. أرى فى هذه المحطة طفلاً يتيماً يقول للمذيعة : كم أحسد أولئك الذين لديهم أباء .. فأتنهد فى سرى وأمضى إلى محطة أخرى فأرى مسلسلاً جميلاً يحتضن به الوالد أبناءه كلما عاد فى المساء .. فأزداد غماً وأمضى فى طريقى إلى محطة الأطفال .. فأرى جدة تنصح أحفادها بضرورة بر الأباء .. لأن الجنة تحت أقدام الأمهات .. ولأن غضب الأب من غضب الرب.. فأزمجر ساخطاً غاضباً من قسوة هذه الحياة .. وأقرر حينها إغلاق هذا التلفاز الذى زادنى غماً وهماً .. فأنهض والأمل يتحطم على شرفات الغد الواعد ..أتجول فى البيت وانظر إلى صور والدى عندما كان الحب يجمعهما .. فأرى ابتسامة كانت ترتسم على وجهيهما ولكنها هاجرت بعيداً منذ سنوات .. وأرى أيديهما تتشابكان معاً بحب ووئام والأن لا أراهما تتشابكان إلا عندما يأتى الغرباء ليرويان لهم عن قصة حب عجز التاريخ عن طرحها فى أسواق الغرام.. فيزداد بؤسى وأعود إلى زنزانتى (أقصد غرفة نومي) فأجد ثلاث صور لى معلقة على الجدران .. الأولى كانت صورة لى فى عيد ميلادى الأول التقطها جدى عندما كان والدى يضعان قبلتهما على وجنتى .. وأما الثانية فكانت صورة لى مع والدى وهما يعلماننى كيف اطفأ شمعة مولدى الثانى .. وأما الثالثة فكانت أول صورة ألتقطها فى حياتى .. كانت تجمع بين والدى وهما يحضران معاً طعام العشاء .. وبعدها تذكرت أن الكاميرا قد توقفت عن العمل وأن والدى ما عادا يحضران طعام العشاء معاً .. وأن والدى ما عادا أصلاً يأكلان مع بعضهما البعض ..وقفت أمام نافذة غرفتى ولسان حالى يقول ولكن ما ذنبى أنا !.. ما ذنبى أنا!